للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ

أي بأمره أو بتوفيقه وتيسيره، ومِنْ بيان لِمَا والمراد للحق الذي اختلف الناس فيه- فالضمير عام شامل للمختلفين السابقين واللاحقين- وليس راجعا إلى الذين أوتوه كالضمائر السابقة، والقرينة على ذلك عموم الهداية للمؤمنين السابقين على اختلاف أهل الكتاب واللاحقين بعد اختلافهم، وقيل: المراد من الَّذِينَ آمَنُوا أمة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، والضمير في اخْتَلَفُوا للذين أوتوه أي الكتاب، ويؤيده ما أخرجه ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال: اخْتَلَفُوا في يوم الجمعة، فأخذ اليهود يوم السبت والنصارى يوم الأحد فَهَدَى اللَّهُ تعالى أمة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ليوم الجمعة، واخْتَلَفُوا في القبلة، فاستقبلت النصارى المشرق، واليهود بيت المقدس وهدي الله تعالى أمّة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم للقبلة. واخْتَلَفُوا في الصلاة فمنهم من يركع ولا يسجد، ومنهم من يسجد ولا يركع، ومنهم من يصلي وهو يتكلم، ومنهم من يصلي وهو يمشي، فهدي الله تعالى أمة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم للحق من ذلك واخْتَلَفُوا في الصيام، فمنهم من يصوم النهار والليل، ومنهم من يصوم عن بعض الطعام، فهدي الله أمّة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم للحق من ذلك. واخْتَلَفُوا في إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فقالت اليهود: كان يهوديا، وقالت النصارى: كان نصرانيا، وجعله الله تعالى: حَنِيفاً مُسْلِماً [آل عمران: ٦٧] فهدي الله تعالى أمّة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم للحق من ذلك. وَاخْتَلَفُوا في عيسى عليه الصلاة والسلام، فكذبت به اليهود وقالوا لأمّه بهتانا عظيما، وجعلته النصارى إلها وولدا، وجعله الله تعالى روحه وكلمته، فهدي الله تعالى أمّة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم للحق من ذلك وقراءة أبيّ بن كعب «فهدي الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه ليكونوا شهداء على الناس» .

وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وهو طريق الحق الذي لا يضل سالكه، والجملة مقررّة لمضمون ما قبلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>