أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى نفي صدقهم في الوعد وأن غرضهم إنما هو كشف العذاب والخلاص أي كيف يتذكرون أو من أين يتذكرون بذلك ويفون بما وعدوه من الإيمان عند كشف العذاب عنهم.
وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ أي والحال أنهم شاهدوا من دواعي التذكر وموجبات الاتعاظ ما هو أعظم من ذلك في إيجابهما حيث جاءهم رسول عظيم الشأن ظاهر أمر رسالته بالآيات والمعجزات التي تخر لها صم الجبال أو مظهر لهم مناهج الحق بذلك ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ أي عن ذلك الرسول عليه الصلاة والسلام وهو هو والجملة عطف على قوله تعالى وقَدْ جاءَهُمْ إلى آخره، وعطفها على قوله سبحانه: رَبَّنَا إلخ لأنه على معنى قالوا: رَبَّنَا إلخ ليس بذاك، وثم للاستبعاد والتراخي الرتبي وإلا فهم قد تولوا ريثما جاءهم وشاهدوا منه ما شاهدوا مما يوجب الإقبال إليه صلّى الله عليه وسلّم وَقالُوا مع ذلك في حقه عليه الصلاة والسلام.
مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ أي قالوا تارة: يعلمه عداس غلام رومي لبعض ثقيف وأخرى مجنون أو يقول بعضهم كذا وآخرون كذا ولم يقل ومجنون بالعطف لأن المقصود تعديد قبائحهم وقرأ زر بن حبيش معلم بكسر اللام فمجنون صفة له وكأنهم أرادوا رسول مجنون وحاشاه ثم حاشاه صلّى الله عليه وسلّم.
إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ جواب من جهته تعالى عن قولهم وإخبار بالعود على تقدير الكشف أي إن كشفنا عنكم العذاب كشفا قليلا أو زمانا قليلا عدتم، والمراد على ما قيل عائدون إلى الكفر وأنت تعلم أن عودهم إليه يقتضي إيمانهم وقد مر أنهم لم يؤمنوا وإنما وعدوا الإيمان فإما أن يكون وعدهم منزلا منزلة إيمانهم أو المراد عائدون إلى الثبات على الكفر أو على الإقرار والتصريح به وقال قتادة: هذا توعد بمعاد الآخرة وهو خلاف الظاهر جدا ومن قال: إن الدخان يوم القيامة قال إن قوله سبحانه: إِنَّا كاشِفُوا إلى آخره وعد بالكشف على نحو قوله عز وجل:
وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ [الأنعام: ٢٨] ومن قال المراد به ما هو من أشراط الساعة قال بإمكان الكشف وعدم انقطاع التكليف عند ظهوره وإن كان من الأشراط بل جاء في بعض الآثار أنه يمكث أربعين يوما وليلة فيكشف عنهم