إن أول حروفه الباء وآخرها السين كأنه قيل «بس» أي حسب ففيه إشارة إلى أنه كاف عما سواه ورمز إلى قوله تعالى ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام: ٣٨] وقد نظم ذلك بعض الفرس فقال:
أول وآخر قرآن زجه با آمد وسين ... يعني اندر دو جهان رهبر ما قرآن بس
ومثله من الرموز كثير لكن قيل لا ينبغي أن يقال إنه مراد الله عز وجل. نعم قد أرشد عز وجل في هذه السورة إلى الاستعانة به تعالى شأنه كما أرشد جل وعلا إليها في الفاتحة بل لا يبعد أن يكون مراده تعالى على القول بأن ترتيب السور بوحيه سبحانه من ختم كتابه الكريم بالاستعاذة به تعالى من شر الوسواس الإشارة كما في الفاتحة إلى جلالة شأن التقوى والرمز إلى أنها ملاك الأمر كله وبها يحصل حسن الخاتمة، فسبحانه من ملك جليل ما أجل كلمته ولله در التنزيل ما أحسن فاتحته وخاتمته. وبعد فهذا والحمد لله تأويل رؤياي من قبل، قد جعلها ربي حقا، فأسعدني وله الشكر بالتوفيق لتفسير كتابه العزيز الذي لا يذل من لاذ به ولا يشقى، فإذ وفقتني يا إلهي لتفسير عبارته، ووفقتني على ما شئت من مضمر إشارته، فاجعلني يا رباه ممن يعتصم بمحكم حبله، ويتمسك بعروته الوثقى، ويأوي من المتشابهات إلى حرز معقله، ويستظل بظلال كهفه الأوفى، وأعذني به من وساوس الشيطان ومكائده، ومن الارتباك بشباك غروره ومصائده، واجعله وسيلة لي إلى أشرف منازل الكرامة وسلما أعرج فيه إلى محل السلامة، فطالما يا إلهي أسهرتني آياته، حتى خفقت برأسي سنة الكرى، فلم أفق إلّا وقد لطمتني من صفاح صحائف سورة ذات سوار. وكم وكم سرت بي يا مولاي عباراته، حتى حققت لي دعوى عند الصباح يحمد القوم السرى. فلم أشعر إلّا وقد تلفعت نواعس السوادي من فضل مئزر مهاة الصبح بخمار، ولم أزل أسود الأوراق في تحرير ما أفضت عليّ حتى بيض نسخة عمري المشيب، وأجدد النظر بتحديق الأحداق، فيما أفيضت به من المشايخ إليّ حتى بلي برد شبابي القشيب. هذا مع ما قاسيته من خليل غادر، وجليل جائر، وزمان غشوم، وغيوم وابلها غموم، إلى أمور أنت بها يا إلهي أعلم، ولم يكن لي فيها سواك من يرحم. وأكثر ذلك يا إلهي قد كانت حيث أهلتني لخدمة كتابك، ومننت عليّ من غير حد بالفحص عن مستودعات خطابك فاكفني اللهم بحرمته مؤنة معرة العباد، وهب لي أمن يوم المعاد وأعذني بلطفك وأعذني بنعمتك ووفقني للتي هي أزكى، واستعملني بما هو أرضى، واسلك بي الطريقة المثلى، وذودني مطيات الهدى وزودني باقيات التقى، وأصلح ذريتي، وبلغني بهم أمنيتي، واجعلهم علماء عاملين وهداة مهديين، وكن لي ولهم في جميع الأمور واحفظني واحفظهم من فتن دار الغرور وأيّد اللهم خليفتك في خليقتك، ووفقه بحرمة كلامك لإعلاء كلمتك، وصل وسلم على روح معاني الممكنات على الإطلاق وروح معاني قلوب المؤمنين والمؤمنات في سائر الآفاق وعلى آله وأصحابه، وكل من سلك سنن سنته واقتفى وقال في ظلال ظليل شريعته قائلا حسبي ذلك وكفى. وقد صادف تسليم القلم ركوعه وسجوده، في ظلم دياجي المداد، واضطجاعه في بيت الدواة، بعد قيامه على ساق الخدمة لكتاب رب العباد، ليلة الثلاثاء لأربع خلون من شهر ربيع الآخر سنة ألف ومائتين وسبع وستين، من هجرة سيد الأوائل والأواخر، صلّى الله عليه وسلم، وجاء تاريخه (أكمل تفسيري روح المعاني) والحمد لله باطنا وظاهرا وله سبحانه الشكر أولا وآخرا.