ذلك الإمام بما قرّره فليراجع وليتأمل، وأصل إِلَّا إن لا فهي مركبة من إن الشرطية ولا النافية كما أشرنا إليه، وقد أدغمت فيه النون باللام وأَصْبُ من صبا يصبو صبوا وصبوة إذا مال إلى الهوى، ومنه الصبا للريح المخصوصة لأن النفوس تميل إليها لطيب نسيمها وروحها مضارع مجزوم على أنه جواب الشرط، والجملة الشرطية عطف على قوله: السِّجْنُ أَحَبُّ وجيء بالأولى اسمية دون الثانية لأن أحبيته السجن مما يدعونه إليه كانت ثابتة مستمرة ولا كذلك الصرف المطلوب، وقرىء «أصب» من صبيت صبابة إذا عشقت، وفي البحر الصبابة إفراط الشوق كأن صاحبها ينصب فيما يهوى، والفعل مضمن معنى الميل أيضا ولذا عدي بإلى أي أصب مائلا إليهن وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ
أي الذين لا يعملون بما يعلمون لأن من لا جدوى لعلمه فهو ومن لا يعلم سواء، أو من السفهاء بارتكاب ما يدعونني إليه من القبائح لأن الحكيم لا يفعل القبيح، فالجهل بمعنى السفاهة ضد الحكمة لا بمعنى عدم العلم، ومن ذلك قوله:
ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا