سببين في جانب الخبر على الترتيب، وقيل: أي فلهم جهنم في الآخرة ولهم عذاب الحريق في الدنيا بناء على ما روي عن الربيع ومن سمعت أن النار انقلبت عليهم فأحرقتهم وقد علمت حاله وتعقبه أبو حيان بأن ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا يأبى عنه لأن أولئك المحرقين لم ينقل لنا أن أحدا منهم تاب بل الظاهر أنهم لم يلعنوا إلّا وهم قد ماتوا على الكفر وفيه نظر، وعليه إنما أخر وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ ورعاية للفواصل أو للتتميم والترديف كأنه قيل ذلك وهو العقوبة العظمى كائن لا محالة وهذا أيضا لا يتجاوزونه. وفي الكشف الوجه أن عذاب جهنم وعذاب الحريق واحد وصف بما يدل على أنه للمعبودين جدا عن رحمته عز وجل، وعلى أنه عذاب هو محض الحريق وهو الحرق البالغ وكفى به عذابا. والظاهر أنه اعتبر الحريق مصدرا والإضافة بيانية ولا بأس بذلك إلّا أن الوحدة التي ادعاها خلاف ظاهر العطف. وقال بعضهم: لو جعل من عطف الخاص على العام للمبالغة فيه لأن عذاب جهنم بالزمهرير والإحراق وغيرهما كان أقرب، ولعل ما ذكرناه أبعد عن القال والقيل. وجملة فَلَهُمْ عَذابُ إلخ وقعت خبرا لأن أو الخبر الجار والمجرور وعذاب مرتفع به على الفاعلية وهو الأحسن والفاء لما في المبتدأ من معنى الشرط ولا يضر نسخه بأن وإن زعمه الأخفش. واستدل بالآية على بعض أوجهها على أن عذاب الكفار يضاعف بما قارنه من المعاصي.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ على الإطلاق من المفتونين وغيرهم لَهُمْ بسبب ما ذكر من الإيمان والعمل الصالح جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إن أريد بالجنات الأشجار فجريان الأنهار من تحتها ظاهر، وإن أريد بها الأرض المشتملة عليها فالتحتية باعتبار جزئها الظاهر فإن أشجارها ساترة لساحتها كما يعرب عنه اسم الجنة وفصل الجملة، قيل لأنها كالتأكيد لما أشعرت به الآية قبل من اختصاص العذاب بالذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا ذلِكَ إشارة إلى كون ما ذكر لهم وحيازتهم إياه وقيل للجنات الموصوفة والتذكير لتأويلها بما ذكر وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو الدرجة وبعد المنزلة في الفضل والشرف ومحله الرفع على الابتداء خبره الْفَوْزُ الْكَبِيرُ الذي يصغر عنده الفوز بالدنيا وما فيها من الرغائب والفوز النجاة من الشر والظفر بالخير فعلى الوجه الثاني في الإشارة هو مصدر أطلق على المفعول مبالغة وعلى الأول مصدر على حاله إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ استئناف خوطب به النبي صلّى الله عليه وسلم إيذانا بأن لكفار قومه نصيبا موفورا من مضمونه كما ينبىء عنه التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام والبطش الآخذ بصولة وعنف وحيث وصف بالشدة فقد تضاعف وتفاقم وهو بطشه عز وجل بالجبابرة والظلمة، وأخذه سبحانه إياهم بالعذاب والانتقام إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ أي إنه عز وجل هو يبدأ الخلق بالإنشاء وهو سبحانه يعيده بالحشر يوم القيامة كما قال ابن زيد والضحاك، أو يبدىء كل ما يبدي ويعيد كل ما يعاد كما قال ابن عباس من غير دخل لأحد في شيء منهما، ومن كان كذلك كان بطشه في غاية الشدة.
أو يبدىء البطش بالكفرة في الدنيا ثم يعيده في الآخرة وعلى الوجهين الجملة في موضع التعليل لما سبق