ولا ينافي ذلك رفعها عند نزول عيسى عليه الصلاة والسلام لأن ذلك الوقت ملحق بالآخرة لقربه منها أو لأن معنى رفعه عليه السلام إياها عنهم أنه لا يقبل منهم إلا الإسلام ويخيرهم بينه وبين السيف فالقوم حينئذ إما مسلمون أو طعمة لسيوفهم فلا إشكال، وما يحصل لهم زمن الدجال مع كونه ذلا في نفسه غمامة صيف على أنهم ليسوا يهود حين التبعية إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ لما شاء سبحانه أن يعاقبه في الدنيا ومنهم هؤلاء، وقيل: في الآخرة، وقيل:
فيهما وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ لمن تاب وآمن وَقَطَّعْناهُمْ أي فرقنا بني إسرائيل أو صيرناهم فِي الْأَرْضِ وجعلنا كل فرقة منهم في قطر من أقطارها بحيث لا يكاد يخلو قطر منهم تكملة لأدبارهم حتى لا يكون لهم شوكة وهذا من مغيبات القرآن كالذي تضمنته الآية قبل، وقوله سبحانه: أُمَماً إما مفعول ثان لقطعنا وإما حال من مفعوله مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وهم كما قال الطبري من آمن بالله تعالى ورسوله وثبت على دينه قبل بعث عيسى عليه الصلاة والسلام وقيل هم الذي أدركوا النبي صلّى الله عليه وسلّم وآمنوا به ونسب ذلك إلى ابن عباس. ومجاهد، وقيل: هم الذي وراء الصين وهو عندي وراء الصين، والجار متعلق بمحذوف خبر مقدم والصالحون مبتدأ، وجوز أن يكون فاعلا للظرف والجملة في موضع النصب صفة لأمم على الاحتمالين، وجوز أن تكون في موضع الحال وهي بدل من أمم على الاحتمال الثاني وأن تكون صفة موصوف مقدر هو البدل على الأول أي قوما منهم الصالحون وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ أي منحطون عن أولئك الصالحين غير بالغين منزلتهم في الصلاح وهم الذين امتثلوا بعض الأوامر وخالفوا بعضا مع كونهم مؤمنين، وقيل: هم الكفرة منهم بناء على أن المراد بالصلاح الإيمان، وقيل: المراد بهم ما يشمل الكفرة والفسقة، والجار متعلق بمحذوف خبر مقدم ودُونَ على ما ذكره الطبرسي مبتدأ إلا أنه بقي مفتوحا لتمكنه في الظرفية مع إضافته إلى المبني ومثله على قول أبي الحسن بَيْنَكُمْ في قوله سبحانه: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ [الأنعام: ٩٤] أو المبتدأ محذوف والظرف صفته أي ومنهم أناس أو فرقة دون ذلك، ومن المشهور عند النحاة أن الموصوف بظرف أو جملة يطرد حذفه إذا كان بعض اسم مجرور بمن أو في مقدم عليه كما في منا أقام ومنا ظعن، ومحط الفائدة الانقسام إلى أن هؤلاء منقسمون إلى قسمين، ومن الناس من تكلف في مثل هذا التركيب لجعل الظرف الأول صفة مبتدأ محذوف، وجعل الظرف الثاني خبرا لما ظنه داعيا لذلك، وليس بشيء، والإشارة للصالحين، وقد ذكروا أن اسم الإشارة المفرد قد يستعمل للمثنى والمجموع وقد مرت الإشارة إليه، وقيل: أشير به إلى الصلاح كما يقتضيه ظاهر الأفراد ويقدر حينئذ مضاف وهو أهل مثلا وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ الخصب والعافية وَالسَّيِّئاتِ الجدب والشدة لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ أي يتوبون عما كانوا عليه مما نهوا عنه.