التجليات ثُمَّ ادْعُهُنَّ ونادهنّ بصوت سر العشق يَأْتِينَكَ سَعْياً إلى محض العبودية بجمال الأحدية وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ يعزك بعرفانك هذه المعاني واطلاعك على صفاته القديمة حَكِيمٌ في ظهوره بغرائب التجلي لأسرار باطنك، وقد يقال: أشار سبحانه بالأربعة من الطير إلى القوى الأربعة التي تمنع العبد عن مقام العيان وشهود الحياة الحقيقية، ووقع في أثر أنها كانت طاوسا، وديكا، وغرابا، وحمامة، ولعل الطاوس إشارة إلى العجب، والديك إلى الشهوة، والغراب إلى الحرص، والحمامة إلى حب الدنيا لإلفها الوكر والبرج، وفي أثر بدل الحمامة بطة، وفي آخر نسر، وكأن الأوّل إشارة إلى الشره الغالب، والثاني إلى طول الأمل، ومعنى فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ حينئذ ضمهنّ وأملهنّ إليك بضبطها ومنعها عن الخروج إلى طلب لذاتها والنزوع إلى مألوفاتها،
وفي الأثر أنه عليه الصلاة والسلام أمر بأن يذبحها وينتف ريشها ويخلط لحومها ودماءها بالدق ويحفظ رؤوسها عنده- أي يمنعها عن أفعالها ويزيل هيئاتها عن النفس ويقمع دواعيها وطبائعها وعاداتها بالرياضة ويبقي أصولها فيه- ثم أمر أن يجعل على كل من الجبال التي بحضرته وهي العناصر الأربعة التي هي أركان بدنه جزءا منهنّ
وكأنه عليه الصلاة والسلام أمر بقمعها وإماتتها حتى لا يبقى إلا أصولها المركوزة في الوجود والمواد المعدة في طبائع العناصر التي هي فيه،
وفي رواية أن الجبال كانت سبعة
فعلى هذا يشير بها إلى الأعضاء السبعة التي هي أجزاء البدن، وفي أخرى أنها كانت عشرة وعليها ربما تكون إشارة إلى الحواس الظاهرة والباطنة، وأشار سبحانه بالأمر بالدعاء إلى أنه إذا كانت هاتيك الصفات حية بحياتها كانت غير منقادة وحشية ممتنعة عن قبول الأمر فإذا قتلت كانت حية بالحياة الحقيقية الموهومة بعد الفناء والمحو وهي حياة العبد وعند ذلك تكون مطيعة منقادة متى دعيت أتت سعيا وامتثلت طوعا وذلك هو الفوز العظيم.