وبطونهم ونحوها الأرض وأن يكون بنكسهم على رؤوسهم، وجعل وجوههم إلى ما يلي الأرض وارتفاع أقدامهم وسائر أبدانهم، ولعل الحديث أظهر في الأول، وقيل: إن الملائكة عليهم السلام تسحبهم وتجرهم على وجوههم إلى جهنم والأمر عليه ظاهر لا غرابة فيه، وقيل: الحشر على الوجه مجاز عن الذلة المفرطة والخزي والهوان، وقيل: هو من قول العرب مر فلان على وجهه إذا لم يدر أين ذهب، وقيل: الكلام كناية أو استعارة تمثيلية والمراد أنهم يحشرون متعلقة قلوبهم بالسفليات من الدنيا وزخارفها متوجهة وجوههم إليها، ولعل كون هذه الحال في الحشر باعتبار بقاء آثارها وإلا فهم هناك في شغل شاغل عن التوجه إلى الدنيا وزخارفها وتعلق قلوبهم بها، ومحل الموصول قيل إما النصب بتقدير أذم أو أعني أو الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين أو على أنه مبتدأ، وقوله تعالى:
أُوْلئِكَ بدل منه أو بيان له، وقوله تعالى: شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلًا خبر له أو اسم الإشارة مبتدأ ثان وشَرٌّ خبره، والجملة خبر الموصول، وقال صاحب الفرائد: يمكن أن يكون الموصول بدلا من الضمير في يأتونك وأُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً كلام مستأنف، ولعل الأقرب كون الموصول مبتدأ وما بعده خبره قال الطيبي. وذلك من باب كلام المنصف وإرخاء العنان وفصل الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عما قبله استئنافا لأن التسلية السابقة حركت منه صلّى الله عليه وسلّم بأن يسأل فإذا بماذا أجيبهم وما يكون قولي لهم؟ فقيل قل لهم الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم إلخ يعني مقصودكم من هذا التعنت تحقير مكاني وتضليل سبيلي وما أقول لكم أنتم كذلك بل أقول الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم شر مكانا وأضل سبيلا فانظروا بعين الإنصاف وتفكروا من الذي هو أولى بهذا الوصف منا ومنكم لتعلموا أن مكانكم شر من مكاننا وسبيلكم أضل من سبيلنا. وعليه قوله تعالى: إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [سبأ: ٢٤] فالمكان الشرف والمنزلة. ويجوز أن يراد به الدار والمسكن. وشَرٌّ وأَضَلُّ محمولان على التفضيل على طريقة قوله تعالى: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ [المائدة:
٦٠] وجعل صاحب الفرائد ذلك لإثبات كل الشر لمكانهم وكل الضلال لسبيلهم. ووصف السبيل بالضلال من باب الإسناد المجازي للمبالغة والآية على ما سمعت متصلة بما قبلها من قوله تعالى: وَلا يَأْتُونَكَ إلخ وقال الكرماني هي متصلة بقوله تعالى أصحاب الجنة يومئذ الآية قيل ويجوز أن تكون متصلة بقوله سبحانه: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ انتهى. وما ذكر أولا أبعد مغزى، وقوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ إلخ جملة مستأنفة سيقت لتأكيد ما مر من التسلية والوعد بالهداية والنصر في قوله تعالى: كَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً على ما قدمناه بحكاية ما جرى بين من ذكر من الأنبياء عليهم السلام وبين قومهم حكاية إجمالية كافية فيما هو المقصود. واللام واقعة في جواب القسم أي والله تعالى لقد آتينا موسى التوراة أي أنزلناها عليه بالآخرة، وقيل: المراد بالكتاب الحكم والنبوة ولا يخفى بعده وَجَعَلْنا مَعَهُ الظرف متعلق بجعلنا، وقوله تعالى: أَخاهُ مفعول أول له وقوله سبحانه: هارُونَ بدل من أَخاهُ أو عطف بيان له وقوله عز وجل وَزِيراً مفعول ثان له وتقدم معنى الوزير ولا ينافي هذا قوله تعالى: وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا [مريم: ٥٣] لأنه وإن كان نبيا فالشريعة لموسى عليه السلام وهو تابع له فيها كما أن الوزير متبع لسلطانه.