للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعض المحققين الْجَلالِ بالاستغناء المطلق وَالْإِكْرامِ بالفضل التام وهذا ظاهر، ووجه الأول بأن الجلال العظمة وهي تقتضي ترفعه تعالى عن الموجودات ويستلزم أنه سبحانه غني عنها، ثم ألحق بالحقيقة، ولذا قال الجوهري: عظمة الشيء الاستغناء عن غيره وكل محتاج حقير، وقال الكرماني: إنه تعالى له صفات عدمية مثل لا شَرِيكَ لَهُ [الأنعام: ١٦٣] وتسمى صفات الجلال لما أنها تؤدي بجلّ عن كذا جل عن كذا وصفات وجوديه- كالحياة والعلم- وتسمى صفات الإكرام، وفيه تأمل.

والظاهر أن ذُو صفة للوجه، ويتضمن الوصف بما ذكر على ما ذكره البعض الإشارة إلى أن فناء مَنْ عَلَيْها لا يخل بشأنه عز وجل لأنه الغني المطلق، والاشارة إلى أنه تعالى بعد فنائهم يفيض على الثقلين من آثار كرمه ما يفيض وذلك يوم القيامة، ووصف الوجه بما وصف يبعد كونه عبارة عن العمل الصالح أو الجهة على ما سمعت آنفا وكأن من يقول بذلك يقول: ذُو خبر مبتدأ محذوف هو ضمير راجع إلى الرب وهو في الأصل صفة له، ثم قطعت عن التبعية، ويؤيده قراءة أبيّ وعبد الله- ذي الجلال- بالياء على أنه صفة تابعة للرب، وذكر الراغب أن هذا الوصف قد خص به عز وجل ولم يستعمل في غيره، فهو من أجلّ أوصافه سبحانه، ويشهد له ما

رواه الترمذي عن أنس والإمام أحمد عن ربيعة بن عامر مرفوعا «ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام»

أي الزموه واثبتوا عليه وأكثروا من قوله والتلفظ به في دعائكم،

وروى الترمذي وأبو داود والنسائي عن أنس «أنه كان مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ورجل يصلي ثم دعا فقال: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام يا حي يا قيوم، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم لأصحابه: أتدرون بما دعا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال:

والذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى» .

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مما يتضمنه ما ذكر فإن الفناء باب للبقاء، والحياة الأبدية، والإثابة بالنعمة السرمدية، وقال الطيبي: المراد من الآية السابقة ملزوم معناها لأنها كناية عن مجيء وقت الجزاء وهو من أجلّ النعم، ولذلك خص الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ بالذكر لأنهما يدلان على الإثابة والعقاب المراد منها تخويف العباد وتحذيرهم من ارتكاب ما يترتب عليه العقاب، والتحذير من مثل ذلك نعمة، فلذا رتب عليها بالفاء قوله تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ إلخ، وليس بذاك.

<<  <  ج: ص:  >  >>