حال إنبائه بقبائح أفعاله يعرض عليه كتابه فيقال له اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الإسراء: ١٤] فإذا أخذ في القراءة تلجلج لسانه من شدة الخوف وسرعة القراءة فقيل له لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
فإنه يجب علينا بحكم الوعد أو بحكم الحكمة أن نجمع أعمالك وأن نقرأها عليك فإذا قرأناه عليك فاتبع قراءته بالإقرار بأنك فعلت تلك الأفعال أو التأمل فيه ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ أي بيان أمره وشرح عقوبته، والحاصل على هذا أنه تعالى يوقف الكافر على جميع أعماله على التفصيل وفيه أشد الوعيد في الدنيا والتهويل في الآخرة انتهى. فضمير بِهِ
وكذا الضمائر بعد للكتاب المشعر به قوله تعالى يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ
بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ
وكذا قوله تعلى بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ
على قول من فسّر البصيرة بالكتابين، ولعل الجملة على هذا الوجه في موضع الحال من مفروع يُنَبَّأْ بتقدير القول كأنه قيل يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ
عند أخذ كتابه بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ
مقولا له لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ
إلخ فالربط عليه ظاهر جدا ومن هنا اختاره البلخي ومن تبعه لكنه مخالف للصحيح المأثور الذي عليه الجمهور من أن ذلك خطاب له صلّى الله عليه وسلم. والظاهر أن التحريك قبل النهي إنما صدر منه عليه الصلاة والسلام بحكم الإباحة الأصلية فلا يتم احتجاج من جوز الذنب على الأنبياء عليهم السلام بهذه الآية. وقال الإمام: لعل ذلك الاستعجال إن كان مأذونا فيه عليه الصلاة والسلام إلى وقت النهي وكأنه أراد بالإذن الإذن الصريح المخصوص وفيه بعد ما
وعن الضحاك أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يخاف أن ينسى القرآن فكان يدرسه حتى غلب ذلك وشق عليه فنزل لا تُحَرِّكْ بِهِ
إلخ وليس بالثبت ولعل ظاهر الآية لا يساعده ثم إنه ربما يتخيل في الآية وجه غير ما ذكر عن القفال الربط عليه ظاهر أيضا وهو أنه يكون الخطاب في لا تُحَرِّكْ
إلخ لسيد المخاطبين حقيقة أو من باب إياك أعني واسمعي أو لكل من يصلح له وضمير بِهِ
ونظائره ليوم القيامة والجملة اعتراض جيء به لتأكيد تهويله وتفظيعه مع تقاضي السباق له فكأنه لما ذكر سبحانه مما يتعلق بذلك اليوم الذي فتحت السورة بعظامه ما يتعلق قوي داعي السؤال عن توقيته وأنه متى يكون وفي أي وقت يبين لا سيما وقد استشعر أن السؤال عن ذلك إذا لم يكن استهزاء مما لا بأس به فقيل لا تُحَرِّكْ بِهِ
أي بطلب توقيته لسانك وهو نهي عن السؤال على أتم وجه كما يقال لا تفتح فمك في أمر فلان لتعجل به لتحصل علمه على عجلة إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ
ما يكون فيه من الجمع وَقُرْآنَهُ
ما يتضمن شرح أحواله وأهواله من القرآن.
فَإِذا قَرَأْناهُ
ما يتعلق به فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ
بالعمل بما يقتضيه من الاستعداد له ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ إظهاره وقوعا بالنفخ في الصور وهو الطامة الكبرى وحاصله لا تسأل عن توقيت ذلك اليوم العظيم مستعجلا