بذاك، نعم لا بدّ من تقدير القول فيما ذكر وهو إما معطوف على جملة إِنْ يَتَّخِذُونَكَ أو حال أي ويقولون أو قائلين والاستفهام للإنكار والتعجب ويفيدان أن المراد يذكر آلهتكم بسوء وقد يكتفى بدلالة الحال عليه كما في قوله تعالى: سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ [الأنبياء: ٦٠] فإن ذكر العدو لا يكون إلا بسوء وقد تحاشوا عن التصريح أدبا مع آلهتهم. وفي مجمع البيان تقول العرب ذكرت فلانا أي عبته، وعليه قول عنترة:
لا تذكري مهري وما أطعمته ... فيكون جلدك مثل جلد الأجرب
انتهى والإشارة مثلها في قوله:
هذا أبو الصقر فردا في محاسنه ... من نسل شيبان بين الضال والسلم
فيكون في ذلك نوع بيان للاتخاذ هزوا، وقوله تعالى: وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ في حيز النصب على الحالية من ضمير القول المقدر، والمعنى أنهم يعيبون عليه عليه الصلاة والسلام أن يذكر آلهتهم التي لا تضر ولا تنفع بالسوء والحال أنهم بالقرآن الذي أنزل رحمة كافرون فهم أحقاء بالعيب والإنكار، فالضمير الأول مبتدأ خبره كافِرُونَ وبه يتعلق بِذِكْرِ وقدم رعاية للفاصلة وإضافته لامية، والضمير الثاني تأكيد لفظي للأول، والفصل بين العامل والمعمول بالمؤكد وبين المؤكد والمؤكد بالمعمول جائز، ويجوز أن يراد بِذِكْرِ الرَّحْمنِ توحيده على أن ذكر مصدر مضاف إلى المفعول أي وهم كافرون بتوحيد الرحمن المنعم عليهم بما يستدعي توحيده والإيمان به سبحانه، وأن يراد به عظته تعالى وإرشاده الخلق بإرسال الرسل وإنزال الكتب على أنه مصدر مضاف إلى الفاعل، وقيل المراد بذكر الرحمن ذكره صلّى الله عليه وسلّم هذا اللفظ وإطلاقه عليه تعالى، والراد بكفرهم به قولهم ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة فهو مصدر مضاف إلى المفعول لا غير وليس بشيء كما لا يخفى.
وجعل الزمخشري الجملة حالا من ضمير يَتَّخِذُونَكَ أي يتخذونك هزوا وهم على حال هي أصل الهزء والسخرية وهي الكفر بذكر الرحمن. وسبب نزول الآية على ما
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي أنه صلّى الله عليه وسلّم مر على أبي سفيان. وأبي جهل وهما يتحدثان فلما رآه أبو جهل ضحك وقال لأبي سفيان: هذا نبي بني عبد مناف فغضب أبو سفيان فقال: ما تنكر أن يكون لبني عبد مناف فسمعها النبي صلّى الله عليه وسلّم فرجع إلى أبي جهل فوقع به وخوفه وقال: ما أراك منتهيا حتى يصيبك ما أصاب عمك الوليد بن المغيرة وقال لأبي سفيان: أما أنك لم تقل ما قلت إلا حمية، وأنا أرى أن القلب لا يثلج