أخرج جماعة عن ابن عباس أنها نزلت بالمدينة، وقال النقاش وغيره: هي مدنية بإجماع المفسرين ولم يسلم له، فقد قال قوم: إنها مكية، نعم الجمهور- كما قال ابن الفرس- على ذلك.
وقال ابن عطية: لا خلاف أن فيها قرآنا مدنيا لكن يشبه أن يكون صدرها مكيا، ويشهد لهذا ما أخرجه البزار في مسنده والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي وابن عساكر عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه دخل على أخته قبل أن يسلم فإذا صحيفة فيها أول سورة الحديد فقرأه حتى بلغ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ [الحديد: ٧] فأسلم، ويشهد لمكية آيات أخر ما أخرج مسلم والنسائي وابن ماجة وغيرهم عن ابن مسعود ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله تعالى بهذه الآية أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ [الحديد: ١٦] إلا أربع سنين، وأخرج الطبراني والحاكم وصححه وغيرهما عن عبد الله بن الزبير أن ابن مسعود أخبره أنه لم يكن بين إسلامهم وبين أن نزلت هذه الآية يعاتبهم الله تعالى بها إلا أربع سنين وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ [الحديد: ١٦] الآية لكن سيأتي إن شاء الله تعالى آثار تدل على مدنية ما ذكر ولعلها لا تصلح للمعارضة.
ونزلت يوم الثلاثاء على ما أخرج الديلمي عن جابر مرفوعا لا تحتجموا يوم الثلاثاء فإن سورة الحديد أنزلت عليّ يوم الثلاثاء، وفيه أيضا خبر رواه الطبراني وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما بسند ضعيف، وهي تسع وعشرون آية في العراقي، وثمان وعشرون في غيره، ووجه اتصالها- بالواقعة- أنها بدئت بذكر التسبيح وتلك ختمت بالأمر به، وكان أولها واقعا موقع العلة للأمر به فكأنه قيل: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة: ٧٤، ٩٦، الحاقة: ٥٢] لأنه سبح له ما في السماوات والأرض، وجاء في فضلها مع أخواتها ما
أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن عرباض بن سارية «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يقرأ المسبحات قبل أن يرقد، وقال: إن فيهن آية أفضل من ألف آية» وأخرج ابن الضريس نحوه عن يحيى بن أبي كثير