بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ التسبيح على المشهور تنزيه الله تعالى اعتقادا وقولا وعملا عما لا يليق بجنابه سبحانه من سبح في الأرض والماء إذا ذهب وأبعد فيهما، وحيث أسندها هنا إلى غير العقلاء أيضا فإن ما في السماوات والأرض يعم جميع ما فيهما سواء كان مستقرا فيهما أو جزءا منهما بل المراد بما فيهما الموجودات فيكون أظهر في تناول السماوات والأرض ويتناول أيضا الموجودات المجردة عند القائل بها، قال الجمهور: المراد به معنى عام مجازي شامل لما نطق به لسان المقال كتسبيح الملائكة والمؤمنين من الثقلين، ولسان الحال كتسبيح غيرهم فإن كل فرد من أفراد الموجودات يدل بإمكانه وحدوثه على الصانع القديم الواجب الوجود المتصف بكل كمال المنزه عن كل نقص، وذهب بعض إلى أن التسبيح على حقيقته المعروفة في الجميع وهو مبني على ثبوت النفوس الناطقة والإدراك لسائر الحيوانات والجمادات على ما يليق بكل، وقد صرح به جمع من الصوفية فتسبيح كل شيء عندهم قالي وإن تفاوت الأمر، وقيل: معنى سبح حمل رائيه العاقل على قول سبحان الله تعالى ونبهه عليه وهو كما ترى، ومن يجوز استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه معا لا يحتاج إلى عموم المجاز، وجوز الطبرسي كون ما للعالم فقط مثلها في قول أهل الحجاز كما حكى أبو زيد عند سماع الرعد- سبحان ما سبحت له ولا يخفى أن عمومها العالم وغيره أولى، والظاهر أنها في الوجهين موصولة، وقال بعضهم: إنها نكرة موصوفة وإن أصل الكلام ما في السماوات وما في الأرض ثم حذفت ما الثانية وأقيمت صفتها مقامها، ولا يحسن أن تكون موصولة لأن الصلة لا تقوم مقام الموصول عند البصريين وتقوم الصفة مقام الموصوف عند الجميع، والحمل على المتفق عليه أولى من الحمل على المختلف فيه وكون المذكورة موصولة والمحذوفة نكرة موصوفة مما لا وجه له انتهى.
وأنت تعلم أن حذف الموصول الصريح في مثل ذلك أكثر من أن يحصى وجيء باللام مع أن التسبيح متعد بنفسه كما في قوله تعالى: وَتُسَبِّحُوهُ [الفتح: ٩] للتأكيد فهي مزيدة لذلك كما في نصحت له وشكرت له،