بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ أصله المتدثر فأدغم وهو على الأصل في حرف أبيّ من تدثر لبس الدثار بكسر الدال وهو ما فوق القميص الذي يلي البدن ويسمى شعارا لاتصاله بالبشرة والشعر. ومنه
قوله عليه الصلاة والسلام:«الأنصار شعار والناس دثار»
والتركيب على ما قيل دائر مع معنى الستر على سبيل الشمول كان الدثار ستر بالغ مكشوف نودي صلّى الله عليه وسلم باسم مشتق من صفته التي كان عليها تأنيسا له وملاطفة كما سمعت في يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ وتدثره عليه الصلاة والسلام لما سمعت آنفا.
وأخرج الطبراني وابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة صنع لقريش طعاما فلما أكلوا قال: ما تقولون في هذا الرجل؟
فاختلفوا ثم اجتمع رأيهم على أنه سحر يؤثر فبلغ ذلك النبيّ صلّى الله عليه وسلم فحزن وقنع رأسه وتدثر أي كما يفعل المغموم فأنزل الله تعالى يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ- إلى قوله تعالى- وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ
. وقيل المراد بالمدثر المتدثر بالنبوة والكمالات النفسانية على معنى المتحلي بها والمتزين بآثارها، وقيل أطلق الْمُدَّثِّرُ وأريد به الغائب عن النظر على الاستعارة والتشبيه فهو نداء له بما كان عليه في غار حراء. وقيل: الظاهر أن يراد بالمدثر وكذا بالمزمل الكناية عن المستريح الفارغ لأنه في أول البعثة فكأنه قيل له عليه الصلاة والسلام قد مضى زمن الراحة وجاءتك المتاعب من التكاليف وهداية الناس وأنت تعلم أنه لا ينافي إرادة الحقيقة وأمر التلطيف على حاله.
وقال بعض السادة أي يا أيها الساتر للحقيقة المحمدية بدثار الصورة الآدمية أو يا أيها الغائب عن أنظار الخليقة فلا يعرفك سوى الله تعالى على الحقيقة إلى غير ذلك من العبارات، والكل إشارة إلى ما قالوا في الحقيقة المحمدية من أنها حقيقة الحقائق التي لا يقف على كنهها أحد من الخلائق وعلى لسانها قال من قال:
وإني وإن كنت ابن آدم صورة ... فلي فيه معنى شاهد بأبوتي
وأنها التعين الأول وخازن السر المقفل وأنها وأنها إلى أمور هيهات أن يكون للعقل إليها منتهى.