أخرج أبو عبيد والبيهقي وغيرهما عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وروى ابن مردويه، والطبراني عنه أنها نزلت بمكة ليلا جملة واحدة. وروى خبر الجملة أبو الشيخ عن أبي بن كعب مرفوعا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم،
وأخرج النحاس في ناسخه عن الحبر أنها مكية إلا ثلاث آيات منها فإنها نزلت بالمدينة قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ [الأنعام: ١٥١] إلى تمام الآيات الثلاث. وأخرج ابن راهويه في مسنده وغيره عن شهر بن حوشب أنها مكية إلا آيتين أتل تَعالَوْا أَتْلُ [الأنعام: ١٥١] والتي بعدها. وأخرج أبو الشيخ أيضا عن الكلبي وسفيان قالا: نزلت سورة الأنعام كلها بمكة إلا آيتين نزلتا بالمدينة في رجل من اليهود وهو الذي قال: ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام: ٩١] الآية. وأخرج ابن المنذر عن أبي جحيفة نزلت سورة الأنعام كلها بمكة إلا وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ [الأنعام: ١١١] فإنها مدنية، وقال غير واحد: كلها مكية إلا ست آيات وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام: ٩١] إلى تمام ثلاث آيات قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ إلى آخر الثلاث. وعدة آياتها عند الكوفيين مائة وخمس وستون. وعند البصريين والشاميين ست وستون. وعند الحجازيين سبع وستون. وقد كثرت الأخبار بفضلها
فقد أخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الشعب والإسماعيلي في معجمه عن جابر قال: لما نزلت سورة الأنعام سبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم قال عليه الصلاة والسلام: «لقد شيع هذه السورة من الملائكة ما سد الأفق»
وخبر تشييع الملائكة لها رواه جمع من المحدثين إلا أن منهم من روى أن المشيعين سبعون ألفا ومنهم من روى أنهم كانوا أقل ومنهم من روى أنهم كانوا أكثر.
وأخرج الديلمي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صلى الفجر بجماعة وقعد في مصلاه، وقرأ ثلاث آيات من أول سورة الأنعام وكل الله تعالى به سبعين ملكا يسبحون الله تعالى ويستغفرون له إلى يوم القيامة» .
وأخرج أبو الشيخ عن حبيب بن محمد العابد قال: من قرأ ثلاث آيات من أول الأنعام إلى قوله تعالى تَكْسِبُونَ بعث الله تعالى له سبعين ألف ملك يدعون له إلى يوم القيامة وله مثل أعمالهم فإذا كان يوم القيامة أدخله الجنة وسقاه من السلسبيل وغسله من الكوثر وقال: أنا ربك حقا وأنت عبدي
إلى غير ذلك من الأخبار، وغالبها في هذا المطلب ضعيف وبعضها موضوع كما لا يخفى على من نقر عنها. ولعل الأخبار بنزول هذه السورة جملة أيضا كذلك. وحكى الإمام اتفاق الناس على القول بنزولها جملة ثم استشكل ذلك بأنه كيف يمكن أن يقال حينئذ في كل واحدة من آياتها إن سبب نزولها الأمر الفلاني مع أنهم يقولونه. والقول بأن مراد القائل بذلك عدم تخلل نزول شيء من آيات سورة أخرى بين أوقات نزول آياتها مما لا تساعده الظواهر بل في الأخبار ما هو صريح فيما يأباه. والقول بأنها نزلت مرتين دفعة وتدريجا خلاف الظاهر ولا دليل عليه.