مطلقا لمقدر أي بغوا بغيا، وأَنْ يُنَزِّلَ إما مفعول من أجله للبغي أي حسدا لأجل تنزيل الله، وإما على إسقاط الخافض المتعلق بالبغي أي حسدا على أَنْ يُنَزِّلَ والقول بأنه في موضع خفض على أنه بدل اشتمال من ما في قوله: بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بعيدا جدا، وربما يقرب منه ما قيل: إنه في موضع المفعول الثاني، والبغي بمعنى طلب الشخص ما ليس له يتعدى إليه بنفسه تارة، وباللام أخرى، والمفعول الأول هاهنا أعني محمدا عليه الصلاة والسلام محذوف لتعينه وللدلالة على أن الحسد مذموم في نفسه كائنا ما كان المحسود- كما لا يخفى- وقرأ ابن كثير
وأبو عمرو ويعقوب «ينزل» بالتخفيف مِنْ فَضْلِهِ أراد به الوحي، ومِنْ لابتداء الغاية صفة لموصوف محذوف أي شيئا كائنا مِنْ فَضْلِهِ وجوّز أبو البقاء أن تكون زائدة على مذهب الأخفش عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أي على من يختاره للرسالة، وفي البحر أن المراد به محمد صلى الله تعالى عليه وسلم لأنهم حسدوه لما لم يكن منهم، وكان من العرب ومن ولد إسماعيل- ولم يكن من ولده نبي سواه عليه الصلاة والسلام وإضافة- العباد- إلى ضميره تعالى للتشريف، ومِنْ إما موصولة أو موصوفة.
فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ تفريع على ما تقدم، أي فرجعوا متلبسين بِغَضَبٍ كائن عَلى غَضَبٍ مستحقين له حسبما اقترفوا من الكفر والحسد. وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الغضب «الأول» لعبادة العجل «والثاني» لكفرهم به صلى الله تعالى عليه وسلم، وقال قتادة:«الأول» كفرهم بالإنجيل «والثاني» كفرهم بالقرآن، وقيل: هما الكفر بعيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، أو قولهم: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [التوبة: ٣٠] ويَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ [المائدة: ٦٤] وغير ذلك من أنواع كفرهم، وكفرهم الأخير بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم ولا يخفى أن- فاء العطف- يقتضي صيرورتهم أحقاء بترادف الغضب لأجل ما تقدم، وقولهم: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ مثلا غير مذكور فيما سبق، ويحتمل أن يراد بقوله سبحانه: بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ الترادف والتكاثر لا غضبان فقط، وفيه إيذان بتشديد الحال عليهم جدا كما في قوله:
ولو كان رمحا واحدا لاتقيته ... ولكنه رمح «وثان وثالث»
ومن الناس من زعم أن- الفاء فصيحة- والمعنى فإذا كفروا وحسدوا على ما ذكر فَباؤُ إلخ، وليس بشيء.
وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ- اللام- في «الكافرين» للعهد، والإظهار في موضع الإضمار للإيذان بعلية كفرهم لما حاق بهم ويحتمل أن تكون للعموم فيدخل المعهودون فيه على طرز ما مر. والمهين- المذل، وأصله مهون فأعل، وإسناده إلى العذاب مجاز من الإسناد إلى السبب- والوصف به للتقييد- والاختصاص الذي يفهمه تقديم الخبر بالنسبة إليه، فغير الكافرين إذا عذب فإنما يعذب للتطهير- لا للإهانة والإذلال- ولذا لم يوصف عذاب غيرهم به في القرآن فلا تمسك للخوارج بأنه خص العذاب ب «الكافرين» فيكون الفاسق كافرا لأنه معذب ولا للمرجئة أيضا.