فإنها ظاهرة في الرياح فإن بها ينزل المال من السحاب ولهذه القراءة جعل بعضهم من في قراءة الجمهور وتفسير الْمُعْصِراتِ بالرياح للتعليل. وذهب غير واحد إلى أنها للتعليل ابتدائية فإن السحاب كالمبدأ الفاعل للإنزال وتعقب بأن ورود من كذلك قليل وعن أبي الحسن وابن جبير وزيد بن أسلم ومقاتل وقتادة أيضا أنها السماوات، وتعقب بأن السماء لا ينزل منها الماء بالعصر فقيل في تأويله أن الماء ينزل من السماء إلى السحاب فكأن السماوات يعصرن أي يحملن على عصر الرياح السحاب، ويمكن منه وتعقب بأنه مع بعده إنما يتم لو جاء المعصر بمعنى العاصر أي الحامل على العصر، ولو قيل المراد بالمعصر الذي حان له أن يعصل كان تكلفا على تكلف والذي في الكشف أن الهمزة على التأويل المذكور للتعدية فتدبر ولا تغفل ماءً ثَجَّاجاً أي منصبا بكثرة، يقال: ثج الماء إذا سال بكثرة، وثجه أي أساله فثجّ. ورد لازما ومتعديا واختير جعل ما في النظم الكريم من اللازم لأنه الأكثر في الاستعمال وجعله الزجاج من المتعدي كأن الماء المنزل لكثرته يصب نفسه ومن المتعدي ما في
قوله صلّى الله عليه وسلم:«أفضل الحج العج والثج»
أي رفع الصوت بالتلبية وصب ماء الهدي والمراد أفضل أعمال الحج التلبية والنحر ولا يأبى الكثرة كون الماء من المعصرات وظاهره أنه بالعصر وهو لا يحصل منه إلّا القليل لأن ذلك غير مسلم ولو سلم فالقلة نسبية. وقرأ الأعرج «ثجاجا» بجيم ثم حاء مهملة ومثاجج الماء: مصابه.
لِنُخْرِجَ بِهِ أي بذلك الماء وهو على ظاهره عند السلف ومن اقتدى بهم وقالت الأشاعرة أي عنده حَبًّا وَنَباتاً ما يقتات به كالحنطة والشعير ويعتلف كالحشيش والتبن وتقديم الحب مع تأخره عن النبات في الإخراج لأصالته وشرفه لأن غالبه غذاء الإنسان وَجَنَّاتٍ جمع جنة وهي كل بستان ذي شجر يستره بأشجاره الأرض من الجن وهو الستر. وقال الفراء: الجنة ما فيه النخيل والفردوس ما فيه الكرم وقد تسمى الأشجار الساترة جنة وعليه حمل قوله زهير:
من النواضح تسقي جنة سحقا وهو المراد هنا وقوله تعالى أَلْفافاً أي ملتفة تداخل بعضها ببعض قيل لا واحد له كالأوزاع والأخياف للجماعات المتفرقة المختلفة اختاره الزمخشري. وقال ابن قتيبة: جمع لف بضم اللام جمع لفاء فهو جمع