بذلك الوجه عليه ولنا- والحمد لله تعالى- في ذلك المطلب أدلة شتى، وكذا لا دليل للمجسمة القائلين بأنه تعالى في مكان في ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ لأن المراد بالرجوع إليه الجمع في المحشر حيث لا يتولى الحكم سواه والأمر يومئذ لله، ووراء هذا من المقال ما لا يخفى على العارفين، وفي قوله تعالى: تُرْجَعُونَ على البناء للمفعول دون- يرجعكم- المناسب للسياق مراعاة لتناسب رؤوس الآي مع وجود التناسب المعنوي للسياق، ولهذا قيل: إن قراءة الجمهور أفصح من قراءة يعقوب ومجاهد، وجماعة «ترجعون» مبنيا للفاعل، ولا يرد أن الآية إذا كانت خطابا للكفار- ومعنى العلم ملاحظ فيها- امتنع خطابهم بما بعد- ثم وثم- من الفعلين لأنهم لا يعلمون ذلك لأن تمكنهم من العلم لوضوح الأدلة آفاقية وأنفسية- وسطوع أنوارها عقلية ونقلية- منزل منزل العلم في إزاحة العذر، وبهذا يندفع أيضا ما قيل: هم شاكون في نسبة ما تقدم إليه تعالى فكيف يتأتى ذلك الخطاب به، ويحتمل كما قيل: أن يكون الخطاب في الآية للمؤمن والكافر فإنه سبحانه لما بين دلائل التوحيد أيضا من قوله سبحانه: يا أَيُّهَا النَّاسُ إلى فَلا تَجْعَلُوا ودلائل النبوة من وَإِنْ كُنْتُمْ إلى إِنْ كُنْتُمْ وأوعد ب فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا الآية، ووعد ب وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا إلخ أكد ذلك بأن عدد عليهم النعم العامة من قوله وَكُنْتُمْ أَمْواتاً إلى هُمْ فِيها خالِدُونَ والخاصة من يا بَنِي إِسْرائِيلَ [البقرة: ٤٠] إلى ما نَنْسَخْ [البقرة: ١٠٦] واستقبح صدور الكفر- مع تلك النعم منهم- توبيخا للكافر وتقريرا للمؤمن وعد الإماتة نعمة لأنها وصلة إلى الحياة الأبدية واجتماع المحب بالحبيب، وقد يقال: إن المعدود عليهم كذلك هو المعنى المنتزع من القصة بأسرها.
«ومن الإشارة» قول ابن عطاء وَكُنْتُمْ أَمْواتاً بالظاهر فَأَحْياكُمْ بمكاشفة الأسرار ثُمَّ يُمِيتُكُمْ عن أوصاف العبودية ثُمَّ يُحْيِيكُمْ بأوصاف الربوبية، وقال فارس: وَكُنْتُمْ أَمْواتاً بشواهدكم فَأَحْياكُمْ بشواهده ثُمَّ يُمِيتُكُمْ عن شاهدكم ثُمَّ يُحْيِيكُمْ بقيام الحق ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ عن جميع ما لكم فتكونون له.