وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام في ذلك، وأقول في الاتصال أيضا: إنه قد ذكر فيما تقدم قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم: ٢٧] وهنا قوله سبحانه: ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ [لقمان: ٢٨] وكلاهما يفيد سهولة البعث وقرر ذلك هنا بقوله عزّ وجلّ قائلا: إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ وذكر سبحانه هناك قوله تعالى: وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ [الروم: ٣٣] وقال عزّ وجلّ هنا: وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ [لقمان: ٣٢] فذكر سبحانه في كل من الآيتين قسما لم يذكره في الأخرى إلى غير ذلك.
وما ألطف هذا الاتصال من حيث إن السورة الأولى ذكر فيها مغلوبية الروم وغلبتهم المبنيتين على المحاربة بين ملكين عظيمين من ملوك الدنيا تحاربا عليها وخرج بذلك عن مقتضى الحكمة فإن الحكيم لا يحارب على دنيا دنية لا تعدل عند الله تعالى جناح بعوضة وهذه ذكر فيها قصة عبد مملوك على كثير من الأقوال حكيم زاهد في الدنيا غير مكترث بها ولا ملتفت إليها أوصى ابنه بما يأبى المحاربة ويقتضي الصبر والمسالمة وبين الأمرين من التقابل ما لا يخفى.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ أي ذي الحكمة، ووصف الكتاب بذلك عند بعض المغاربة مجاز لأن الوصف بذلك للتملك وهو لا يملك الحكمة بل يشتمل عليها ويتضمنها فلأجل ذلك وصف بالحكيم بمعنى ذي الحكمة، واستظهر الطيبي أنه على ذلك من الاستعارة المكنية. والحق أنه من باب عِيشَةٍ راضِيَةٍ [الحاقة: ٢١] على حد لابن وتامر.
نعم يجوز أن يكون هناك استعارة بالكناية أي الناطق بالحكمة كالحي، ويجوز أن يكون الحكيم من صفاته عزّ وجلّ ووصف الكتاب به من باب الإسناد المجازي فإنه منه سبحانه بدا، وقد يوصف الشيء بصفة مبدئه كما في قول الأعشى: