للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالشيء منزلة الجاهل ووجود الشيء منزلة عدمه لعدم ثمرته حيث إنهم لم يعملوا بعلمهم، أو على تنزيل العالم بفائدة الخبر ولازمها منزلة الجاهل بناء على أن قوله تعالى لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ معناه لو كان لهم علم بذلك الشراء لامتنعوا منه أي ليس لهم علم فلا يمتنعون، وهذا هو الخبر الملقى إليهم، واعتراض العلامة بأن هذا الخبر لو فرض كونه ملقى إليهم فلا معنى لكونهم عالمين بمضمونه كيف وقد تحقق في وَلَقَدْ عَلِمُوا نقيضه وهو أن لهم علما به وبعد اللتيا والتي لا معنى لتنزيلهم منزلة الجاهل بأن ليس لهم علم بأن من اشتراه- ما له في الآخرة من خلاق- بل إن كان فلا بد أن ينزلوا منزلة الجاهل بأن لهم علما بذلك يجاب عنه: أما أولا فبأن الخطاب صريحا للرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وتعريضا لهم ولذا أكد، وأما ثانيا فبأن المستفاد من وَلَقَدْ عَلِمُوا ثبوت العلم لهم حقيقة والمستفاد من الخبر الملقى لهم نفي العلم عنهم تنزيلا ولا منافاة بينهما، وأما ثالثا فبأن العالم إذا عمل بخلاف علمه كان عالما بأنه بمنزلة الجاهل في عدم ترتب ثمرة علمه، ومقتضى هذا العلم أن يمتنع عن ذلك العمل ففيما نحن فيه كانوا عالمين فيه بأن ليس لهم علم وأنهم بمنزلة الجاهل في ذلك الشراء، ومقتضى هذا العلم أن يمتنعوا عنه وإذا لم يمتنعوا كانوا بمنزلة الجاهل في عدم جريهم على مقتضى هذا العلم فألقى الخبر إليهم بأن ليس لهم علم مع علمهم به كذا قيل، ولا يخفى ما فيه من شدة التكلف، وأجاب بعضهم عما يتراءى من التنافي بأن مفعول يُعَلِّمُونَ ما دل عليه ل لَبِئْسَ ما شَرَوْا إلخ أعني مذمومية الشراء، ومفعول عَلِمُوا أنه لا نصيب لهم في الآخرة، والعلم بأنه لا نصيب لهم في الآخرة لا ينافي نفي العلم بمذمومية الشراء بأن يعتقدوا إباحته- فلا حاجة حينئذ إلى جميع ما سبق- وفيه أن العلم بكون الشراء المذكور موجبا للحرمان في الآخرة بدون العلم بكونه مذموما غاية المذمومية- مما لا يكاد يعقل عند أرباب العقول- والقول بأن مفعول عَلِمُوا محذوف، أي لقد علموا أنه يضرهم ولا ينفعهم، ولَمَنِ اشْتَراهُ مرتبط بأول القصة، وضمير لَبِئْسَ ما شَرَوْا لَمَنِ اشْتَراهُ ركيك جدا، وبئسما يشتري، ودفع التنافي بأنه أثبت «أولا» العلم بسوء ما شروه بالكتاب بحسب الآخرة، ثم ذم بالسوء مطلقا في الدين والدنيا، لأن «بئس» للذم العام، فالمنفي- العلم بالسوء المطلق- يعني لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ضرره في الدين والدنيا لامتنعوا، إنما غرهم توهم النفع العاجل، أو بأن المثبت أولا العلم بأن «ما شروه» ما لهم في الآخرة نصيب منه، لا أنهم شَرَوْا أنفسهم به وأخرجوها من أيديهم بالكلية، بل كانوا يظنون أن آباءهم الأنبياء يشفعونهم في الآخرة والعلم المنفي هو هذا العلم لا يخفى ما فيه «أما أولا» فلأن عموم الذم في «بئس» وإن قيل به لكنه بالنسبة إلى إفراد الفاعل في نفسها من دون تعرض للأزمنة والأمكنة- والتزام ذلك لا يخلو عن كدر- «وأما ثانيا» فلأن تخصيص النصيب- بمنه- مع كونه نكرة مقرونة ب مِنْ في سياق النفي المساق للتهويل مما لا يدعو إليه إلا ضيق العطن، والجواب- بإرجاع ضمير عَلِمُوا لِلنَّاسِ أو الشَّياطِينُ واشْتَرَوْا لليهود- ارتكاب للتفكيك من غير ضرورة تدعو إليه، ولا قرينة واضحة تدل عليه، وبعد كل

حساب- الأولى عندي في الجواب- كون الكلام مخرجا على التنزيل، ولا ريب في كثرة وجود ذلك في الكتاب الجليل، والأجوبة التي ذكرت من قبل- مع جريان الكلام فيها على مقتضى الظاهر- لا تخلو في الباطن عن شيء فتدبر.

<<  <  ج: ص:  >  >>