على الثاني وَلا يَنْفَعُهُمْ عطف على ما قبله للإيذان بأنه شر بحت وضرر محض لا كبعض المضار المشوبة بنفع وضرر لأنهم لا يقصدون به التخلص عن الاغترار بأكاذيب السحرة ولا إماطة الأذى عن الطريق حتى يكون فيه نفع في الجملة، وفي الإتيان ب لا إشارة إلى أنه غير نافع في الدارين لأنه لا تعلق به بانتظام المعاش ولا المعاد وفي الحكم بأنه ضار غير نافع تحذير بليغ- لمن ألقى السمع وهو شهيد- عن تعاطيه وتحريض على التحرز عنه، وجوز بعضهم أن يكون لا يَنْفَعُهُمْ على إضمار هو فيكون في موضع رفع وتكون الواو للحال ولا يخفى ضعفه وَلَقَدْ عَلِمُوا متعلق بقوله تعالى: وَلَمَّا جاءَهُمْ إلخ، وقصة السحر مستطردة في البين فالضمير لأولئك اليهود، وقيل: الضمير لليهود الذين كانوا على عهد سليمان عليه السلام، وقيل: للملكين لأنهما كانا يقولان فَلا تَكْفُرْ وأتى بضمير الجمع على قول من يرى ذلك لَمَنِ اشْتَراهُ أي استبدل ما تتلو الشياطين بكتاب الله، واللام للابتداء وتدخل على المبتدأ، وعلى المضارع ودخولها على الماضي مع قد كثير وبدونه ممتنع، وعلى خبر المبتدأ إذا تقدم عليه، وعلى معمول الخبر إذا وقع موقع المبتدأ والكوفيون يجعلونها في الجميع جواب القسم المقدر وليس في الوجود عندهم لام ابتداء كما يشير إليه كلام الرضيّ، وقد علقت هنا- علم- عن العمل سواء كانت متعدية لمفعول أو مفعولين- فمن- موصولة مبتدأ واشْتَراهُ صلتها وقوله تعالى: ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ جملة ابتدائية خبرها، ومن- مزيدة في المبتدأ، وفِي الْآخِرَةِ متعلق بما تعلق به الخبر أو حال من الضمير فيه أو من مرجعه، والخلاق- النصيب- قاله مجاهد- أو القوام- قاله ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما، أو القدر- قاله قتادة- ومنه قوله:
فما لك بيت لدى الشامخات ... وما لك في غالب من «خلاق»
قال الزجاج: وأكثر ما يستعمل في الخير، ويكون للشر على قلة، وذهب أبو البقاء تبعا للفراء إلى أن اللام موطئة للقسم، ومِنْ شرطية مبتدأ واشْتَراهُ خبرها وما لَهُ إلخ جواب القسم، وجواب الشرط محذوف دل هو عليه لأنه إذا اجتمع قسم وشرط يجاب سابقهما غالبا، وفيه ما فيه لأنه نقل عن الزجاج ردّ من قال بشرطية مِنْ هنا بأنه ليس موضع شرط، ووجهه أبو حيان بأن الفعل ماض لفظا ومعنى لأن الاشتراء قد وقع فجعله شرطا لا يصح لأن فعل الشرط إذا كان ماضيا لفظا فلا بد أن يكون مستقبلا معنى، وقد ذكر الرضيّ في- لزيد قائم- أن الأولى كون اللام فيه لام الابتداء مفيدة للتأكيد ولا يقدر القسم كما فعله الكوفية لأن الأصل عدم التقدير، والتأكيد المطلوب من القسم حاصل من اللام، والقول بأن اللام تأكيد للأولى أو زائدة مما لا يكاد يصح، أما الأول فلأن بناء الكلمة إذا كان على حرف واحد لا يكرر وحده بل مع عماده إلا في ضرورة الشعر على ما ارتضاه الرضيّ، وأما الثاني فلأن المعهود زيادة اللام الجارة وهي مكسورة في الاسم الظاهر.
وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ اللام فيه لام ابتداء أيضا، والمشهور أنها جواب القسم، والجملة معطوفة على القسمية الأولى، وما نكرة مميزة للضمير المبهم في- بئس- والمخصوص بالذم محذوف، و «شروا» يحتمل المعنيين والظاهر هو الظاهر- أي والله لبئس شيئا شروا به حظوظ أنفسهم- أي باعوها أو شروها في زعمهم ذلك الشراء، وفي البحر بئسما باعوا أنفسهم السحر أو الكفر لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ أي مذمومية الشراء المذكور لامتنعوا عنه، ولا تنافي بين إثبات العلم لهم أولا ونفيه عنهم ثانيا إما لأن المثبت لهم هو العقل الغريزي والمنفي عنهم هو الكسب الذي هو من جملة التكليف، أو لأن الأول هو العلم بالجملة والثاني هو العلم بالتفصيل، فقد يعلم الإنسان مثلا قبح الشيء ثم لا يعلم أن فعله قبيح فكأنهم علموا أن شراء النفس بالسحر مذموم لكن لم يتفكروا في أن ما يفعلونه هو من جملة ذلك القبيح أو لأنهم علموا العقاب ولم يعلموا حقيقته وشدته، وإما لأن الكلام مخرج على تنزيل العالم