ويبقى ما هو خالص لله تعالى، وهكذا الخواطر يبقى منها خاطر الحق ويضمحل سريعا خاطر الباطل، وعن بعضهم القلوب أوعية وفيها أودية فقلب يسيل فيه ماء التوبة وقلب يسيل فيه ماء الرحمة وقلب يسيل فيه ماء الخوف وقلب يسيل فيه ماء الرجاء وقلب يسيل فيه ماء المعرفة وقلب يسيل فيه ماء الانس وكل ماء من هذه المياه ينبت في القلب نوعا من القربة والقرب من الله عز وجل ومن القلوب ما حرم ذلك والعياذ بالله تعالى، وقال ابن عطية: روي عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى: «أنزل من السماء ماء» إلخ يريد بالماء الشرع والدين وبالأودية القلوب ومعنى سيلانها بقدرها أخذ النبيل بحظه والبليد بحظه، ثم قال: وهذا قول لا يصح- والله تعالى أعلم- عن ابن عباس لأنه ينحو إلى قول أصحاب الرموز، وقد تمسك به الغزالي وأهل ذلك الطريق، وفيه إخراج اللفظ عن مفهوم كلام العرب بغير داع إلى ذلك، وإن صح ذلك عن ابن عباس فيقال فيه: إنما قصد رضي الله تعالى عنه أن قوله تعالى: كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ معناه الحق الذي يتقرر في القلوب والباطل الذي يعتريها اه ونحن نقول: إن صح ذلك فمقصود الخبر منه الإشارة وإن كان يريد غير ظاهر فيه، وحجة الإسلام الغزالي عليه الرحمة أشد الناس على أهل الرموز القائلين بأن الظاهر ليس مراد الله تعالى كما لا يخفى على متتبعي كلامه، وسمعت من بعض الناس أن أهل الكيمياء تكلموا في هذه الآية على ما يوافق غرضهم ولم أقف على ذلك «للذين استجابوا لربهم» بتصفية الاستعداد عن كدورات صفات النفس «الحسنى» المثوبة الحسنى وهو الكمال الفائض عليهم عند الصفاء «والذين لم يستجيبوا له» تعالى وبقوا في الرذائل البشرية والكدورات الطبيعية «لو أن لهم ما في الأرض» الجهة السفلية من الأموال والأسباب التي انجذبوا إليها بالمحبة فأهلكوا أنفسهم بها «ومثله معه لافتدوا به» مما ينالهم من الحجاب والحرمان أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ لوقوفهم مع الأفعال في مقام النفس وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ الحرمان «وبئس المهاد» جهنم والعياذ بالله تعالى ونسأله العفو والعافية.