صواعق السبحات الإلهية عند تجلي القهر الحقيقي المتضمن للّطف الكلي فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ فيحرقه عن بقية نفس،
وفي الخبر «إن لله تعالى سبعين ألف حجاب من نور وظلمة لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه»
وقال ابن الزنجاني: الرعد صعقات الملائكة والبرق ذفرات أفئدتهم والمطر بكاؤهم، وجعل الزمخشري هذا من بدع المتصوفة، وكأني بك تقول: إن أكثر ما ذكر في باب الإشارة من هذا الكتاب من هذا القبيل.
والجواب إنا لا ندعي إلا الإشارة وأما أن ذلك مدلول اللفظ أو مراد الله تعالى فمعاذ الله تعالى من أن يمر بفكري، واعتقاد ذلك هو الضلال البعيد والجهل الذي ليس عليه مزيد، وقد نص المحققون من الصوفية على أن معتقد ذلك كافر والعياذ بالله تعالى، ولعلك تقول: كان الأولى مع هذا ترك ذلك. فنقول: قد ذكر مثله من هو خير منا والوجه في ذكره غير خفي عليك لو أنصفت وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ بالتفكر في ذاته والنظر للوقوف على حقيقة صفاته وَهُوَ سبحانه شَدِيدُ الْمِحالِ في دفع الأفكار والأنظار عن حرم ذاته وحمى صفاته جل جلاله:
هيهات أن تصطاد عنقاء البقاء ... بلعابهن عناكب الأفكار
لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ أي الحقة الحقيقة بالإجابة لا لغيره سبحانه وَالَّذِينَ يَدْعُونَ الأصنام لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ أي إلا استجابة كاستجابة من ذكر لأن ما يدعونه بمعزل عن القدرة وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ المحجوبين إِلَّا فِي ضَلالٍ أي ضياع لأنهم لا يدعون إلا له الحق وإنما يدعون الها توهموه ونحتوه في خيالهم وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ينقاد مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من الحقائق والروحانيات طَوْعاً وَكَرْهاً شاؤوا أو أبوا وَظِلالُهُمْ هياكلهم بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ أي دائما وقيل: يسجد من في السموات وهو الروح والعقل والقلب وسجودهم طوعا ومن في الأرض النفس وقواها وسجودهم كرها.
وقيل: الساجدون طوعا أهل الكشف والشهود والساجدون كرها أهل النظر والاستدلال أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ من سماء روح القدس ماءً أي ماء العلم فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ أي أودية القلوب بِقَدَرِها بقدر استعدادها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً من خبث صفات أرض النفس رابِياً طافيا على ذلك وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ نار العشق من المعارف والكشوف والحقائق والمعاني التي تهيج العشق ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ طلب زينة النفس لكونها كمالات لها أَوْ مَتاعٍ من الفضائل الخلقية التي تحصل بسببها فإنها مما تتمتع به النفس ما زَبَدٌ خبث مِثْلُهُ كالنظر إليها ورؤيتها والإعجاب بها وسائر ما يعد من آفات النفس «فأما الزبد فيذهب جفاء» منفيا بالعلم «وأما ما ينفع الناس» من المعاني الحقة والفضائل الخالصة «فيمكث في الأرض» أرض النفس، وقال بعضهم: إنه تعالى شبه ما ينزل من مياه بحار ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله إلى قلوب الموحدين والعارفين والمكاشفين والمريدين بما ينزل من السماء إلى الأودية، فكما تحمل الأودية حسب اختلافها ماء المطر تحمل تلك القلوب مياه هاتيك البحار حسب اختلاف حواصلها وأقدار استعداداتها في المحبة والمعرفة والتوحيد، وكما أن قطرات الأمطار تكون في الأودية سيلا فيحتمل السيل زبدا وحثالة وما يكون مانعا من الجريان يكون تواتر أنوار الحق سبحانه سيل المعارف والكشوفات فيسيل في أودية القلوب فيحتمل من أوصاف البشرية وما دون الحق الذي يمنع القلوب من رؤية الغيوب ما يحتمله فيذهب جفاء فتصير حينئذ مقدسة عن زبد الرياء والسمعة والنفاق والخواطر المذمومة وتبقى سائحة في أنوار الأزل والأبد بلا مانع من العرش إلى الثرى، وشبه سبحانه أعمال الظاهر والباطن وما ينفتح بمفاتيحها من الغيب بجواهر الأرض من الذهب والفضة وغيرهما إذا أذيبا للانتفاع بهما وبين تعالى أن لهما زبدا مثل زبد السيل وأنه يذهب ويمكث أصلهما الصافي، فكذلك أعمال الظاهر والباطن تدخل في بودقة الإخلاص ويوقد عليهما نيران الامتحان فيذهب ما فيه حظ النفس