وكان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم كما أخرج ابن أبي حاتم عن سعد بن أبي هلال يسمونها المقبرة وهي مكية. قال أبو حيان عند جميع المفسرين. وقال الجلال السيوطي: على الأشهر ويدل لكونها مدنية وهو المختار ما أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي بريدة فيها. قال: نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار في بني حارثة وبني الحارث تفاخروا وتكاثروا فقالت إحداهما: فيكم مثل فلان وفلان؟ وقال الآخرون مثل ذلك تفاخروا بالأحياء ثم قالوا:
انطلقوا بناء إلى القبور فجعلت إحدى الطائفتين تقول فيكم مثل فلان؟ تشير إلى القبر ومثل فلان، وفعل الآخرون مثل ذلك فأنزل الله تعالى أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ إلخ. وأخرج البخاري وابن جرير عن أبي بن كعب قال: كنا نرى هذا من القرآن «لو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب ثم يتوب الله على من تاب» حتى نزلت ألهاكم التكاثر. إلخ.
وأخرج الترمذي وابن جرير وابن المنذر وغيرهما عن عليّ كرم الله تعالى وجهه ما زلنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ
وعذاب القبر لم يذكر إلّا في المدينة كما في الصحيح في قصة اليهودية انتهى. ولقوة الأدلة على مدنيتها قال بعض الأجلّة إنه الحق. وآيها ثمان بالاتفاق وهي تعدل ألف آية من القرآن.
أخرج الحاكم والبيهقي في الشعب عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ألا يستطيع أحدكم أن يقرأ ألف آية في كل يوم؟» قالوا: ومن يستطيع أن يقرأ ألف آية؟
قال:«أما يستطيع أحدكم أن يقرأ ألهاكم التكاثر» ؟
وأخرج الخطيب في المتفق والمفترق والديلمي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه. قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من قرأ في ليلة ألف آية لقي الله تعالى وهو ضاحك في وجهه» فقيل: يا رسول الله من يقوى على ألف آية؟ فقرأ سورة ألهاكم التكاثر إلى آخرها ثم قال عليه الصلاة والسلام:«والذي نفسي بيده إنها لتعدل ألف آية» .
وذكر ناصر الدين بن الميلق في سر ذلك أن القرآن ستة آلاف ومائتا آية وكسر، فإذا تركنا الكسر كان الألف سدس القرآن وهذه السورة تشتمل على سدس من مقاصد القرآن فإنها على ما ذكره الغزالي ستة ثلاثة مهمة وهي تعريف المدعو إليه وتعريف الصراط المستقيم وتعريف الحال عند الرجوع إليه عز وجل، وثلاثة متمة وهي تعريف أحوال المطيعين وحكاية أقوال الجاحدين وتعريف منازل الطريق وأحدها معرفة الآخرة المشار إليه بتعريف الحال عند الرجوع إليه تعالى المشتمل عليه السورة. والتعبير على هذا المعنى بألف آية أفخم وأجل من التعبير بالسدس انتهى. والأمر والله تعالى أعلم وراء ذلك ومناسبتها لما قبلها ظاهرة.