للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمْ يَقُولُونَ بل أيقولون افْتَرى محمد عليه الصلاة والسلام عَلَى اللَّهِ كَذِباً بدعوى النبوة أو القرآن، والهمزة للإنكار التوبيخي وبل للإضراب من غير إبطال وهو إضراب أطم من الأول فأطم فإن إثبات ما هم عليه من الشرع وإن كان شرا وشركا أقرب من جعل الحق الأبلج المعتضد بالبرهان النير من أوسطهم فضلا ودعة وعقلا افتراء ثم افتراء على الله عز وجل فكأنه قيل: أيتمالكون التفوه بنسبة مثله عليه الصلاة والسلام إلى الافتراء ثم إلى الافتراء على الله عز وجل الذي هو أعظم الفري وأفحشها ولا تحترق ألسنتهم.

وفي ذلك أتم دلالة على بعده صلّى الله عليه وسلّم من الافتراء كيف وقد أردف بقوله تعالى: فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ فإن هذا الأسلوب مؤداه استبعاد الافتراء من مثله عليه الصلاة والسلام وأنه في البعد مثل الشرك بالله سبحانه والدخول في جملة المختوم على قلوبهم فكأنه قيل: فإن يشأ الله سبحانه يجعلك من المختوم على قلوبهم حتى تفتري عليه الكذب فإنه لا يجترىء على افتراء الكذب على الله تعالى إلا من كان في مثل حالهم وهو في معنى فإن يشأ يجعلك منهم لأنهم هم المفترون الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله تعالى، وما أحسن هذا التعريض بأنهم المفترون وأنهم في نفس هذه المقالة عن افترائهم مفترون، ونظير الآية فيما ذكر قول أمين نسب إلى الخيانة: لعل الله تعالى خذلني لعل الله تعالى أعمى قلبي وهو لا يريد إثبات الخذلان وعمى القلب وإنما يريد استبعاد أن يخون مثله والتنبيه على أنه ركب من تخوينه أمر عظيم، فالكلام تعليل لإنكار قولهم، وأتى بإن مع أن عدم مشيئته تعالى مقطوع به قيل إرخاء للعنان، وقيل: إشعار بعظمته تعالى وأنه سبحانه غني عن العالمين، ثم ذيل بقوله تعالى: وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ تأكيدا للمفهوم من السابق من أنه ليس من الافتراء في شيء أي كيف يكون افتراء ومن عادته تعالى محو الباطل ومحقه وإثبات الحق بوحيه أو بقضائه وما أتى به عليه الصلاة والسلام يزداد كل يوم قوة ودحوا فلو كان مفتريا كما يزعمون لكشف الله تعالى افتراءه ومحقه وقذف بالحق على باطله فدمغه.

والفعل المضارع للاستمرار. والكلام ابتدائي فيمح مرفوع لا مجزوم بالعطف على يَخْتِمْ وأسقطت الواو في الرسم في أغلب المصاحف تبعا لإسقاطها في اللفظ لالتقاء الساكنين كما في سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ [العلق: ١٨] .

ويَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ [الإسراء: ١١] وكان القياس إثباتها رسما لكن رسم المصحف لا يلزم جريه على القياس، ويؤيد الاستئناف دون العطف على يَخْتِمْ إعادة الاسم الجليل ورفع يُحِقُّ وهذا ما ذكره جار الله في الجملتين

<<  <  ج: ص:  >  >>