للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فروع التمكن الذي أشرنا إليه ولا يختص أمره بما ذكر، وقد حال سبحانه بين العدلية وبين اعتقاد هذا فعدلوا عن سواء السبيل، وبين بعض الأفاضل ربط الآيات على ذلك بأنه تعالى لما نص بقوله عز من قائل: لَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ إلخ، على أن الإسماع لا ينفع فيهم تسجيلا على أولئك الصم البكم من على المؤمنين بما منحهم من الإيمان ويسر لهم من الطاعة، كأنه قيل: إنكم لستم مثل أولئك المطبوعين على قلوبهم فإنهم إنما امتنعوا عن الطاعة لأنهم ما خلقوا إلا للكفر فما تيسر لهم الاستجابة، وكلّ ميسر لما خلق له، فأنتم لما منحتم الإيمان ووفقتم للطاعة فاستجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما فيه حياتكم من مجاهدة الكفار وطلب الحياة الأبدية واغتنموا تلك الفرصة واعلموا أن الله تعالى قد يحول بين المرء وقلبه بأن يحول بينه وبين الإيمان وبينه وبين الطاعة ثم يجازيه في الآخرة بالنار، وتلخيصه أوليتكم النعمة فاشكروها ولا تكفروها لئلا أزيلها عنكم اهـ.

ولا يخفى ما فيه من التكليف، وقيل: إن القوم لما دعوا إلى القتال والجهاد وكانوا في غاية الضعف والقلة خافت قلوبهم وضاقت صدورهم فقيل لهم: قاتلوا في سبيل الله تعالى إذا دعيتم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه فيبدل الأمن خوفا والجبن جرأة. وقرىء «بين المرّ» بتشديد الراء على حذف الهمزة ونقل حركتها إليها وإجراء الوصل مجرى الوقف وَأَنَّهُ أي الله عز وجل أو الشأن إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ لا إلى غيره فيجازيكم بحسب مراتب أعمالكم التي لم يخف عليه شيء منها فسارعوا إلى طاعته وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم وبالغوا في الاستجابة، وقيل: المعنى أنه تحشرون إليه تعالى دون غيره فيجازيكم فلا تألوا جهدا في انتهاز الفرصة، أو المعنى أنه المتصرف في قلوبكم في الدنيا ولا مهرب لكم عنه في الآخرة فسلوا الأمر إليه عز شأنه ولا تحدثوا أنفسكم بمخالفته.

وزعم بعضهم أنه سبحانه لما أشار في صدر الآية إلى أن السعيد من أسعده والشقي من أضله وأن القلوب بيده يقلبها كيفما يشاء ويخلق فيها الدواعي والعقائد حسبما يريد ختمها بما يفيد أن الحشر إليه ليعلم أنه مع كون العباد مجبورين خلقوا مثابين معاقبين إما للجنة وإما للنار لا يتركون مهملين معطلين، وأنت تعلم أن الآية لا دلالة فيها على الجبر بالمعنى المشهور وليس فيها عند من أنصف بعد التأمل أكثر من انتهاء الأمور بالآخرة إليه عز شأنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>