وزعم أبو البقاء أن طَرِيقاً على هذا الوجه مفعول فيه، وقال: التقدير فَاضْرِبْ لَهُمْ موضع طريق لا تَخافُ دَرَكاً في موضع الحال من ضمير فَاضْرِبْ أو الصفة الأخرى لطريقا والعائد محذوف أي فيها أو هو استئناف كما قال أبو البقاء وقدمه على سائر الاحتمالات. وقرأ الأعمش وحمزة وابن أبي ليلى «لا تخف» بالجزم على جواب الأمر أعني «أسر» ، ويحتمل أنه نهي مستأنف كما ذكره الزجاج. وقرأ أبو حيوة وطلحة والأعمش «دركا» بسكون الراء وهو اسم من الإدراك أي اللحوق كالدرك بالتحريك، وقال الراغب: الدرك بالتحريك في الآية ما يلحق الإنسان من تبعة أي لا تخاف تبعة، والجمهور على الأول أي لا تخاف أن يدرككم فرعون وجنوده من خلفكم وَلا تَخْشى أن يغرقكم البحر من قدامكم وهو عطف على لا تَخافُ، وذلك ظاهر على الاحتمالات الثلاثة في قراءة الرفع، وأما على قراءة الجزم فقيل هو استئناف أي وأنت لا تخشى، وقيل: عطف على المجزوم والألف جيء بها للإطلاق مراعاة لأواخر الآي كما في قوله تعالى فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا [الأحزاب: ٦٧] وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا [الأحزاب: ١٠] أو هو مجزوم بحذف الحركة المقدرة كما في قوله:
إذا العجوز غضبت فطلق ... ولا ترضّاها ولا تملّق
وهذا لغة قليلة عند قوم وضرورة عند آخرين فلا يجوز تخريج التنزيل الجليل الشأن عليه أو لا يليق مع وجود مثل الاحتمالين السابقين أو الأول منهما. والخشية أعظم الخوف وكأنه إنما اختيرت هنا لأن الغرق أعظم من إدراك فرعون وجنوده لما أن ذاك مظنة السلامة، ولا ينافي ذلك أنهم إنما ذكروا أولا ما يدل على خوفهم منه حيث قالوا: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء: ٦١] ولذا سورع في إزاحته بتقديم نفيه كما يظهر بالتأمل.