سبحانه استنزل ذلك من فوقهم البركات، فإذا استجدوا العمل لتلك البركات المنزلة وقاموا عليها بثبات أقدامهم الراسخة استنزل ذلك لهم من الله عز وجل بركات هي أزكى من الأولى، فلا يزال العلم والعمل يتناوبان إلى أن ينتهي السالك إلى مقام القرب ومنازل العارفين، وفي ذكر الأرجل إشارة إلى حصول ثبات القدم ورسوخ العلم، وفي اقترانها مع تحت دلالة على مزيد الثبات وأنهم من الراسخين المقتبسين علومهم من مشكاة النبوة دون المتزلزلين الذين أخذوا علومهم من الأوهام، ولذا كتب بعض العارفين بهذه الآية إلى الإمام إرشادا له إلى معرفة طريق أهل الله عز شأنه انتهى.
وقد وجه بعض أهل العبارة ممن هو مني في موضع التاج من الرأس لا زال باقيا ذكر الأرجل هنا بأنه للإشارة إلى أن المراد بقوله سبحانه: مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ الأمور السفلية الحاصلة بالسعي والاكتساب كما أن المراد بقوله تعالى: مِنْ فَوْقِهِمْ الأمور الحاصلة بمجرد الفيض، وحينئذ يقوى الطباق بين المتعاطفين.
ولعلك تستنبط مما ذكره الطيبي غير هذا الوجه مما يوافق أيضا مشرب أهل الظاهر، فتدبر مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ، قيل: عادلة واصلة إلى توحيد الأسماء والصفات وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ وهم المحجوبون بالكلية الذين لن يصلوا إلى توحيد الأفعال بعد فضلا عن توحيد الصفات، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.