الحقائق والمغيبات أم لا فما فائدة في قوله: والقرآن مشتمل إلخ إلى غير ذلك. وإن أراد أن السمع لكلام الملائكة عليهم السلام إذا كان وحيا منزلا على الأنبياء عليهم السلام مشروط بما ذكر فهو مع كونه خلاف ظاهر الكلام غير مسلم أيضا كيف وقد ثبت أن جبريل عليه السلام حين ينزل بالقرآن ينزل معه رصد حفظا للوحي من الشيطان وقد قال عز وجل: فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ [الجن: ٢٦- ٢٨] وأيضا ظاهر العزل عن السمع يقتضي أنهم كانوا ممكنين منه قبل ثم منعوا عنه فيلزم على ما ذكر أنهم كانوا يسمعون الوحي من قبل مع أن نفوسهم خبيثة ظلمانية شريرة بالذات فيبطل كون المشاركة المذكورة شرطا للسمع، فإن ادعى أن الشرط كان موجودا إذ ذاك ثم فقد والتزم القول بجواز تغير ما بالذات فهو مما لم يقم عليه دليل وقياس جميع الشياطين على إبليس عليه اللعنة مما لا يخفى حاله فتدبر.
وبالجملة الذي أميل إليه في معنى الآية ما ذكرته أولا. وسيأتي قريبا إن شاء الله تعالى ما يتعلق بذلك، وجوز كون ضمير إِنَّهُمْ للمشركين. والمراد أنهم لا يصغون للحق لعنادهم، وفي الآية شمة من قوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ [البقرة: ٢٥٧] وهو بعيد جدا.
فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ خوطب به النبي صلّى الله عليه وسلّم مع استحالة صدور المنهي عنه عليه الصلاة والسلام تهييجا وحثا لازدياد الإخلاص فهو كناية عن أخلص في التوحيد حتى لا ترى معه عز وجل سواه. وفيه لطف لسائر المكلفين ببيان أن الإشراك من القبح والسوء بحيث ينهي عنه من لم يمكن صدوره عنه فكيف بمن عداه.
وكأن الفاء فصيحة أي إذا علمت ما ذكر فلا تدع مع الله إلها آخر وَأَنْذِرْ العذاب الذي يستتبعه الشرك والمعاصي عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ أي ذوي القرابة القريبة أو الذين هم أكثر قربا إليك من غيرهم.
والعشيرة على ما قال الجوهري: رهط الرجل الأدنون. وقال الراغب هم أهل الرجل الذين يتكثر بهم أي يصيرون له بمنزلة العدد الكامل وهو العشرة. واشتهر أن طبقات الأنساب ست، الأولى الشعب بفتح الشين وهو النسب الأبعد كعدنان، الثانية القبيلة وهي ما انقسم فيه الشعب كربيعة ومضر الثالثة العمارة بكسر العين وهي ما انقسم فيه أنساب القبيلة كقريش وكنانة الرابعة البطن وهو ما انقسم فيه أنساب العمارة كبني عبد مناف وبني مخزوم الخامسة الفخذ وهو ما انقسم فيه أنساب البطن كبني هاشم وبني أمية السادسة الفصيلة وهي ما انقسم فيه أنساب الفخذ كبني العباس وبني عبد المطلب وليس دون الفصيلة إلا الرجل وولده.
وحكى أبو عبيد عن ابن الكلبي عن أبيه تقديم الشعب ثم القبيلة ثم الفصيلة ثم العمارة ثم الفخذ فأقام الفصيلة