وأنه لعظمه بمنزلة المحسوس وتوسيط ضمير الفصل وتعريف الخسران والإتيان به على فعلان الأبلغ من فعل ووصفه بالمبين من الدلالة على كمال هو له وفظاعته وأنه لا نوع من الخسر وراءه ما لا يخفى.
وقوله تعالى: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ إلى آخره نوع بيان لخسرانهم بعد تهويله بطريق الإبهام على أن لَهُمْ خبر لظلل ومِنْ فوقهم متعلق بمحذوف حال من ضميرها في الظرف المقدم لا منها نفسها لضعف الحال من المبتدأ، وجعلها فاعل الظرف حينئذ اتباع لنظر الأخفش وهو ضعيف، ومِنَ النَّارِ صفة لظلل.
والكلام جار مجرى التهكم بهم ولذا قيل لهم وعبر عما علاهم من النار بالظلل أي لهم كائنة من فوقهم ظلل كثيرة متراكمة بعضها فوق بعض كائنة من النار وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ كائنة من النار أيضا، والمراد أطباق كثيرة منها وتسميتها ظللا من باب المشاكلة. وقيل هي ظلل لمن تحتهم في طبقة أخرى من طبقات النار ولا يطرد في أهل الطبقة الأخيرة من هؤلاء الخاسرين إلا أن يقال: إنها للشياطين ونحوهم مما لا ذكر لهم هنا، وقيل: إن ما تحتهم يلتهب ويتصاعد منه شيء حتى يكون ظلة فسمي ظلة باعتبار ما آل إليه أخيرا وليس بذاك، والمراد أن النار محيطة بهم ذلِكَ العذاب الفظيع يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ يذكره سبحانه لهم بآيات الوعيد ليخافوا فيجتنبوا ما يوقعهم فيه، وخص بعضهم العباد بالمؤمنين لأنهم المنتفعون بالتخويف وعمم آخرون.
وكذا في قوله سبحانه: يا عِبادِ فَاتَّقُونِ ولا تتعرضوا لما يوجب سخطي، ويختلف المراد بالأمر على الوجهين كما لا يخفى، وهذه عظة من الله جل جلاله وعم نواله منطوية على غاية اللطف والرحمة. وقرىء «يا عبادي» بالياء.
وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ إلخ قال ابن زيد: نزلت في ثلاثة نفر كانوا في الجاهلية يقولون لا إله إلا الله زيد ابن عمرو بن نفيل وسلمان وأبي ذر، وقال ابن إسحاق: أشير بها إلى عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد والزبير وذلك أنه لما أسلم أبو بكر سمعوا ذلك فجاؤوه وقالوا: أسلمت قال نعم وذكرهم بالله تعالى فآمنوا بأجمعهم فنزلت فيهم وهي محكمة في الناس إلى يوم القيامة، والطاغوت فعلوت من الطغيان كما قالوا لا فاعول كما قيل بتقديم اللام على العين نحو صاعقة وصاقعة، ويدل على ذلك الاشتقاق وأن طوغ وطيغ مهملان.