أكون أول من أسلم في زماني ومن قومي أي إسلاما على وفق الأمر، وأن أكون أول الذين دعوتهم إلى الإسلام إسلاما، وأن أكون أول من دعا نفسه إلى ما دعا إليه غيره لأكون مقتدى بي قولي وفعلي جميعا ولا تكون صفتي صفة الملوك الذين يأمرون بما لا يفعلون، وأن أفعل ما أستحق به الأولية والشرف من أعمال السابقين دلالة على السبب وهي الأعمال التي يستحق بها الشرف بالمسبب وهو الأولية والشرف المذكور في النظم الجليل ذكر ذلك الزمخشري. وفي الكشف المختار من الأوجه الأربعة الوجه الثاني فإنه المكرر الشائع في القرآن الكريم وفيه سائر المعاني الآخر من موافقة القول الفعل ولزوم أولية الشرف من أولية التأسيس مع أنه ليس فيه أنه أمر بأن يكون أشرف وأسبق فافهم قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي بترك الإخلاص والميل إلى ما أنتم عليه من الشرك، وجوز العموم أي أخاف إن عصيته بشيء من المعاصي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ هو يوم القيامة، ووصفه بالعظمة لعظمة ما فيه من الدواهي والأهوال، وهو مجاز في الظرف أو الإسناد وهو أبلغ ولذا عدل عن توصيف العذاب بذاك والمقصود من قول ذلك لهم تهديدهم والتعريض لهم بأنه عليه الصلاة والسلام مع عظمته لو عصى الله تعالى ما أمن من العذاب فكيف بهم قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ لا غيره سبحانه لا استقلالا ولا اشتراكا مُخْلِصاً لَهُ دِينِي حال من فاعل أَعْبُدُ فقيل مؤكدة لما أن تقديم المفعول قد أفاد الحصر وهو يدل على إخلاصه عن الشرك الظاهر والخفي، وقيل: مؤسسة وفسر اخلاص الدين له تعالى بعبادته سبحانه لذاته من غير طلب شيء كقول رابعة: سبحانك ما عبدتك خوفا من عقابك ولا رجاء ثوابك أو يفسر بتجريده عن الشرك بقسميه وأن يكون معه ما يشينه من غير ذلك كما أشير إليه آنفا، والفرق بين هذا وقوله سبحانه: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ إلخ أن ذاك أمر ببيان كونه عليه الصلاة والسلام مأمورا بعبادته تعالى مخلصا له الدين وهذا أمر بالإخبار بامتثاله بالأمر على أبلغ وجه وآكده إظهارا لتصلبه صلى الله عليه وسلم في الدين وحسبما لأطماعهم الفارغة حيث أن كفار قريش دعوه صلى الله عليه وسلم إلى دينهم فنزلت لذلك وتمهيدا لتهديدهم بقوله عزّ وجلّ:
فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ أن تعبدوه مِنْ دُونِهِ عزّ وجلّ، وفيه من الدلالة على شدة الغضب عليهم ما لا يخفى كأنهم لما لم ينتهوا عما نهوا عنه أمروا به كي يحل بهم العقاب قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ أي الكاملين في الخسران وهو إضاعة ما بهم وإتلاف ما لا بد منه لجمعهم أعاظم أنواع الخسران الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ باختيارهم الكفر لهما فالمراد بالأهل أتباعهم الذين أضلوهم أي أضاعوا أنفسهم وأضاعوا أهليهم وأتلفوهما يَوْمَ الْقِيامَةِ حين يدخلون النار حيث عرضوهما للعذاب السرمدي وأوقعوهما في هلكة ما وراءها هلكة ولو أبقى يوم القيامة على ظاهره لأن يتبين فيه أمرهم ويتحقق مبدأ خسرانهم صح على ما قيل، وقيل: المراد بالأهل الاتباع مطلقا وخسرانهم إياهم لأنهم إن كانوا من أهل النار فقد خسروا هم كما خسروا أنفسهم وإن كانوا من أهل الجنة فقد ذهبوا عنهم ذهابا لا إياب بعده، وتعقب بأن المحذور ذهاب من لو آب لانتفع به الخاسر وذلك غير متصور في الشق الأخير، وقيل: المراد بالأهل ما أعده الله تعالى لمن يدخل الجنة من الخاصة أي وخسروا أهليهم الذين كانوا يكونون لهم في الجنة لو آمنوا، أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة قال: ليس أحد إلا قد أعد الله تعالى له أهلا في الجنة أن أطاعه، وأخرج نحوه عن مجاهد، وروي أيضا عن ميمون بن مهران وكلهم ذكروا ذلك في الآية، وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس أنه قال فيها أيضا: خسروا أهليهم من أهل الجنة كانوا أعدوا لهم لو عملوا بطاعة الله تعالى فغبنوهم، وهو الذي يقتضيه كلام الحسن فقد روي عنه أنه فسر الأهل بالحور العين، ولا يخفى أن حمل الآية على ذلك لا يخلو عن بعد.
وأيا ما كان فليس المراد مجرد تعريف الكاملين في الخسران بما ذكر بل بيان أنهم المخاطبون بما تقدم إما بجعل الموصول عبارة عنهم أو بجعله عبارة عما هم مندرجون فيه اندراجا أوليا، وما في قوله تعالى: أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ من استئناف الجملة، وتصديرها بحرف التنبيه والإشارة بذلك إلى بعد منزلة المشار إليه في الشر