للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٩٧] إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ

[العنكبوت: ٥٦] . الثالث أن تعلق الظرف بالمذكور المتقدم هو الوجه ما لم يصرف صارف.

الرابع أنه على ذلك التقدير ليس بمطرد ولا أكثري فإن الحسنة بذلك المعنى في شأن المخالفين أتم والقول بأنها استدراج في شأنهم لا حسنة ليس بالظاهر فقد قال سبحانه: فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ انتهى، ولعمري إن ما رجحه بالترجيح حقيق وما استحسنه واستدقه ليس بالحسن ولا الدقيق، والذي نقله الطبرسي عن السدي تفسير الحسنة في الدنيا بالثناء الحسن والذكر الجميل والصحة والسلامة، وفسرها بعضهم بولاية الله تعالى وعليه فليس للمخالفين منها نصيب، وفي الآية أقوال أخر فعن عطاء أرض الله تعالى المدينة قال أبو حيان: فعلى هذا يكون أَحْسَنُوا هاجروا وحَسَنَةٌ راحة من الأعداء، وقال قوم: أرض الله تعالى الجنة، وتعقبه ابن عطية بأنه تحكم لا دليل عليه.

وقال أبو مسلم: لا يمتنع ذلك لأنه تعالى أمر المؤمنين بالتقوى ثم بين سبحانه أنه من اتقى له في الآخرة الحسنة وهي الخلود في الجنة ثم بين جل شأنه أن أرض الله واسعة لقوله تعالى: وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ [الزمر: ٧٤] وقوله تعالى: وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران: ١٣٣] والرجحان لما سمعت أولا، واختير فيه شمول الحسنة لحسنات الدنيا والآخرة، والمراد بالإحسان الإتيان بالأعمال الحسنة القلبية والقالبية،

قال النبي صلى الله عليه وسلم في تفسيره في حديث جبريل عليه السلام «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك»

والآية على ما في بعض الآثار نزلت في جعفر بن أبي طالب وأصحابه حين عزموا على الهجرة إلى أرض الحبشة وفيها من الدلالة على فضل الصابرين ما فيها قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ أي من كل ما يخل به من الشرك والرياء وغير ذلك أمر عليه الصلاة والسلام ببيان ما أمر به نفسه من الإخلاص في عبادة الله عزّ وجلّ الذي هو عبارة عما أمر به المؤمنون من التقوى مبالغة في حثهم على الإتيان بما كلفوه وتمهيدا لما يعقبه مما خوطب به المشركون.

وعدم التصريح بالآمر لتعين أنه الله عزّ وجلّ، وقيل: للإشارة إلى أن هذا الأمر مما ينبغي امتثاله سواء صدر منه تعالى أم صدر من غيره سبحانه وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ أي وأمرت بذلك لأجل أن أكون مقدم المسلمين في الدنيا والآخرة لأن إحراز قصب السبق في الدين بالإخلاص فيه وإخلاصه عليه الصلاة والسلام أتم من اخلاص كل مخلص فالمراد بالأولية الأولية في الشرف والرتبة، والعطف لمغايرة الثاني الأول بتقييده بالعلة والإشعار بأن العبادة المذكورة كما تقتضي الأمر بها لذاتها تقتضيه لما يلزمها من السبق في الدين، وإلى حذف متعلق الأمر وكون اللام تعليلية ذهب البصريون في هذه الآية ونحوها وذهب غيرهم إلى أنها زائدة، واستدل له بتركها في قوله تعالى: وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس: ٧٢] وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [يونس: ١٠٤] وأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ [الأنعام: ١٤] وكل ذلك محتمل لتقدير اللام فلا تغفل ولا تزاد إلا مع أن لفظا أو تقديرا دون الاسم الصريح وذلك لأن الأصل في المفعول به أن يكون اسما صريحا فكأنها زيدت عوضا من ترك الأصل إلى ما يقوم مقامه كما يعوض السين في اسطاع عوضا من ترك الأصل الذي هو أطوع، وهذه الزيادة وإن كانت شاذة قياسا إلا أنها لما كثرت استعمالا جاز استعمالها في القرآن والكلام الفصيح، ومثل هذا يقال في زيادتها مع فعل الإرادة نحو أردت لأن أفعل. وجعل الزمخشري وجه زيادتها معه أنها لما كان فيها معنى الإرادة زيدت تأكيدا لها وجعل وجها في زيادتها مع فعل الأمر أيضا لا سيما والطلب والإرادة عندهم من باب واحدة، وفي المعنى أوجه أن

<<  <  ج: ص:  >  >>