وأما على القول بعدم الاشتراط فلأن الهبوط والخشية على تقدير خلق العقل والحياة لا يصح أن يكون بيانا لكون الحجارة في نفسها أقل قسوة- وهو المناسب للمقام- والاعتراض بأن قلوبهم إنما تمتنع عن الانقياد لأمر التكليف بطريق القصد والاختيار ولا تمتنع عما يراد بها على طريق القسر والإلجاء كما في الحجارة وعلى هذا لا يتم ما ذكر، فالأولى الحمل على الحقيقة أجيب عنه بأن المراد أن قلوبهم أقسى من الحجارة لقبولها التأثر الذي يليق بها وخلقت لأجله بخلاف قلوبهم فإنها تنبو عن التأثر الذي يليق بها وخلقت له، والجواب بأن ما رأوه من الآيات مما يقسر القلب ويلجئه فلما لم تتأثر قلوبهم عن القاسرات الكثيرة ويتأثر الحجر من قاسر واحد تكون قلوبهم أَشَدُّ قَسْوَةً لا يخلو عن نظر لأنه إن أريد بذلك المبالغة في الدلالة على الصدق فلا ينفع، وإن أريد به حقيقة الإلجاء فممنوع، وإلا لما تخلف عنها التأثر ولما استحق من آمن بعد رؤيتها الثواب لكونه إيمانا اضطراريا- ولم يقل به أحد- ثم الظاهر على هذا تعلق خشية الله بالأفعال الثلاثة السابقة وقرىء وَإِنَّ على أنها المخففة من الثقيلة ويلزمها- اللام- الفارقة بينها وبين النافية، والفراء يقول: أنها النافية- واللام- بمعنى إلا، وزعم الكسائي أن إِنَّ إن وليها اسم كانت المخففة، وإن فعل كانت النافية، وقطرب إنها إن وليها فعل كانت بمعنى- قد- وقرأ مالك بن دينار «ينفجر» مضارع انفجر والأعمش «يتشقق» و «يهبط» - بالضم..
وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ وعيد على ما ذكر كأنه قيل: إن الله تعالى لبالمرصاد لهؤلاء القاسية قلوبهم حافظ لأعمالهم محص لها، فهو مجازيهم بها في الدنيا والآخرة، وقرأ ابن كثير «يعملون» - بالياء التحتانية- ضما إلى ما بعده من قوله سبحانه أَنْ يُؤْمِنُوا ويَسْمَعُونَ وفريق منهم، وقرأ الباقون- بالتاء الفوقانية- لمناسبة وَإِذْ قَتَلْتُمْ فَادَّارَأْتُمْ وتكتمون إلخ وقيل: ضما إلى قوله تعالى: أَفَتَطْمَعُونَ بأن يكون الخطاب فيه للمؤمنين وعدلهم، ويبعده أنه لا وجه لذكر وعد المؤمنين تذييلا لبيان قبائح اليهود.