للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محجلون من أثر الوضوء ولا يكون لأحد غيرهم وأعرفهم أنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم وأعرفهم بسيماهم في وجوههم من أثر السجود وأعرفهم بنورهم الذي يسعى بين أيديهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم»

وظاهر هذا الخبر اختصاص النور بمؤمني هذه الأمة وكذا إيتاء الكتب بالأيمان وبعض الأخبار يقتضي كونه لكل مؤمن،

أخرج ابن أبي حاتم عن أبي أمامة قال: «تبعث ظلمة يوم القيامة فما من مؤمن ولا كافر يرى كفه حتى يبعث الله تعالى بالنور للمؤمنين بقدر أعمالهم» الخبر

، وأخرج عنه الحاكم وصححه وابن أبي حاتم من وجه آخر وابن المبارك والبيهقي في الأسماء والصفات خبرا طويلا فيه أيضا ما هو ظاهر في العموم، وكذا ما

أخرج ابن جرير والبيهقي في البعث عن ابن عباس قال: بينما الناس في ظلمة إذ بعث الله تعالى نورا فلما رأى المؤمنين النور توجهوا نحوه وكان النور دليلا لهم من الله عز وجل إلى الجنة

، ولا ينافي هذا الخبر كونهم يمرون بنورهم على الصراط كما لا يخفى، وكذا إيتاء الكتب بالأيمان، ففي هداية المريد لجوهرة التوحيد ظاهر الآيات والأحاديث عدم اختصاصه يعني أخذ الصحف بهذه الأمة وإن تردد فيه بعض العلماء انتهى.

ويمكن أن يقال: إن ما يكون من النور هذه الأمة أجلى من النور الذي يكون لغيرها أو هو ممتاز بنوع آخر من الامتياز، وأما إيتاء الكتب بالأيمان فلعله لكثرته فيها بالنسبة إلى سائر الأمم تعرف به، وفي هذا المطلب أبحاث أخر تذكر إن شاء الله تعالى في محلها، وقيل: أريد بالنور القرآن، وقال الضحاك: النور استعارة عن الهدى والرضوان الذي هم فيه، وقرأ سهل بن شعيب السهمي وأبو حيوة «وبإيمانهم» بكسر الهمزة، وخرّج ذلك أبو حيان على أن الظرف يعني أيديهم متعلق بمحذوف والعطف عليه بذلك الاعتبار أي كائنا بين أيديهم وكائنا بسبب إيمانهم وهو كما ترى، ولعله متعلق بالقول المقدر في قوله تعالى: بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ أي وبسبب إيمانهم يقال لهم ذلك، وجملة القول، إما معطوفة على ما قبل أو استئناف أو حال ويجوز على الحالية تقدير الوصف منه أي مقولا لهم، والقائل الملائكة الذين يتلقونهم.

والمراد بالبشرى ما يبشر به دون التبشير والكلام على حذف مضاف أي ما تبشرون به دخول جنات يصح بدونه أي ما تبشرون به جنات، ويصح بدونه أي ما تبشرون به جنات، وما قيل: البشارة لا تكون بالأعيان فيه نظر، وتقدير المضاف لا يغني عن تأويل البشرى لأن التبشير ليس عين الدخول، وجملة قوله تعالى: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ في موضع الصفة لجنات: وقوله سبحانه: خالِدِينَ فِيها حال من جنات، قال أبو حيان: وفي الكلام التفات من ضمير الخطاب في بُشْراكُمُ إلى ضمير الغائب في خالِدِينَ ولو أجرى على الخطاب لكان التركيب خالدا أنتم فيها: ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ يحتمل أن يكون من كلامه تعالى فالإشارة إلى ما ذكر من النور والبشرى بالجنات، ويحتمل أن يكون من كلام الملائكة عليهم السلام المتلقين لهم، فالإشارة إلى ما هم فيه من النور وغيره أو إلى الجنات بتأويل ما ذكر أو لكونها فوزا على ما قيل، وقرىء ذلك الفوز بدون هُوَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>