[البقرة: ٢١٩] إلى غير ذلك بل أطنبوا فيه بإظهار الفعل وعطف دوام عكوفهم على أصنامهم مع أنه لم يسأل عنه قصدا إلى إبراز ما في نفوسهم الخبيثة من الابتهاج والافتخار بذلك. وهو على ما في الكشف من الأسلوب الأحمق، والمراد بالظلول الدوام كما في قولهم: لو ظل الظلم هلك الناس. وتكون ظل على هذا تامة. وقد قال بمجيئها كذلك ابن مالك وأنكره بعض النحاة، وقيل: فعل الشيء نهارا فقد كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل فتكون ظل على هذا ناقصة دالة على ثبوت خبرها لاسمها في النهار.
واختار بعض الأجلة الأول لتبادر الدوام وكونه أبلغ مناسبا لمقام الابتهاج والافتخار، واختار الزمخشري الثاني لأنه أصل المعنى وهو مناسب للمقام أيضا لأنه يدل على إعلانهم الفعل لافتخارهم به. وعاكِفِينَ على الأول حال وعلى الثاني خبر والجار متعلق به. وإيراد اللام دون على لإفادة معنى زائد كأنهم قالوا: نظل لأجلها مقبلين على عبادتها أو مستديرين حولها. وهذا أيضا على ما قيل من جملة إطنابهم قالَ استئناف مبني على سؤال نشأ من تفصيل جوابهم هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ دخل فعل السماع على غير مسموع، ومذهب الفارسي أنه حينئذ يتعدى إلى اثنين ولا بد أن يكون الثاني مما يدل على صوت فالكاف هنا عنده مفعول أول والمفعول الثاني محذوف والتقدير هل يسمعونكم تدعون وحذف لدلالة قوله تعالى: إِذْ تَدْعُونَ عليه. ومذهب غيره أنه حينئذ متعد إلى واحد، وإذا وقعت بعده جملة ملفوظة أو مقدرة فهي في موضع الحال منه إن كان معرفة وفي موضع الصفة له إن كان نكرة.
وجوز فيها البدلية أيضا. وإذا دخل على مسموع تعدى إلى واحد اتفاقا، ويجوز أن يكون ما هنا داخلا على ذلك على أن التقدير هل يسمعون دعاءكم فحذف المضاف لدلالة إِذْ تَدْعُونَ أيضا عليه، وقيل: السماع هنا بمعنى الإجابة كما في
قوله صلّى الله عليه وسلّم:«اللهم إني أعوذ بك من دعاء لا يسمع»
ومنه قوله عز وجل: إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ [آل عمران: ٣٨] أي هل يجيبونكم وحينئذ لا نزاع في أنه متعد لواحد ولا يحتاج إلى تقدير مضاف. والأولى إبقاؤه على ظاهر معناه فإنه أنسب بالمقام، نعم ربما يقال: إن ما قيل أوفق بقراءة قتادة ويحيى بن يعمر «يسمعونكم» بضم الياء وكسر الميم من أسمع والمفعول الثاني محذوف تقديره الجواب. وإِذْ ظرف لما مضى وجيء بالمضارع لاستحضار الحال الماضية وحكايتها. وأما كون هل تخلص المضارع لاستقبال فلا يضر هنا لأن المعتبر زمان الحكم لا زمان التكلم وهو هنا كذلك لأن السماع بعد الدعاء، وقال أبو حيان: لا بد من التجوز في إِذْ بأن تجعل بمعنى إذا أو التجوز في المضارع بأن يجعل بمعنى الماضي. واعتبار الاستحضار أبلغ في التبكيت وقرىء بإدغام ذال إِذْ في تاء تَدْعُونَ وذلك بقلبها تاء وإدغامها في التاء.
أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ بسبب عبادتكم لهم أَوْ يَضُرُّونَ أي يضرونكم بترككم لعبادتهم إذ لا بد للعبادة لا سيما عند كونها على ما وصفتم من المبالغة فيها من جلب نفع أو دفع ضر. وترك المفعول للفاصلة. ويدل عليه ما قبله، وقيل: المراد أو يضرون من أعرض عن عبادتهم كائنا من كان وهو خلاف الظاهر الذي يقتضيه العطف.
قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ أضربوا عن أن يكون لهم سمع أو نفع أو ضر اعترافا بما لا سبيل لهم إلى إنكاره واضطروا إلى إظهار أن لا سند لهم سوى التقليد فكأنهم قالوا لا يسمعون ولا ينفعوننا ولا يضرون وإنما وجدنا آباءنا يفعلون مثل فعلنا ويعبدونهم مثل عبادتنا فاقتدينا بهم. وتقديم المفعول المطلق للفاصلة.