للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكسفه كما في أكثر اجتماعات القمر وإذا كان كذلك فمن المحتمل أن يكون مدارهما بين الشمس والأبصار ولأن جرميهما عندهم صغيران غير مظلمين كجرم القمر حتى يكسفاها ولأنه إذا كسف القمر من جرم الشمس ما مساحته مساوية لجرم أحد هذين الكوكبين أو أكثر لا يظهر المنكسف للأبصار على ما نص عليه بطليموس في الاقتصاص. وذهب بعض من تقادم عهدهم إلى أنهما تحت فلك الشمس وإن لم تكسف بهما استحسانا لما في ذلك من حسن الترتيب وجودة النظام على ما بيّن في موضعه ومال إليه بطليموس. قال في المجسطي: ونحن نرى ترتيب من تقادم عهده أقرب إلى الإقناع لأنه أشبه بالأمر الطبيعي لتوسط الشمس بين ما يبعد عنها كل البعد وبين ما لا يعبد عنها إلا يسيرا، ثم قوي عزمه لما رأى بعد الشمس المعلوم من الأرض مناسبا لهذا الموضع لأن لما وجد بين أبعد بعد القمر وأقرب قرب الشمس بعدا يمكن أن يوجد فيه فلكا الزهرة وعطارد وأبعادهما المختلفة. قال في الاقتصاص: مثل هذا الفضاء لا يحسن أن يترك عطلا ولا يحسن أن يكون فيه المريخ فضلا عن غيره فليكونا فيه وتأكد هذا عند بعض المتأخرين بأنه شوهدت الزهرة على قرص الشمس في وقتين بينهما نيف وعشرون سنة وكانت أول الحالين في ذروة التدوير، وفي الثاني في أسفله، ويبطل به ما ظن من كون عطارد والزهرة مع الشمس في كرة ومركز تدويرهما لاستحالة أن ترى الزهرة في الذروة على هذا الوجه وهذه أمور ضعيفة بعضها خطابي إقناعي وبعضها مبين ما فيه في محله. وقد زعم بعض الناس أنه كما وجد في وجه القمر محو فكذا في وجه الشمس فوق مركزها بقليل نقطة سوداء، وأهل الإرصاد اليوم على ما سمعنا من غير واحد جازمون بأن في قرصها سوادا وعلامات مختلفة ولهم في ذلك كلام مذكور في كتبهم وعليه ففي تشبيههما بالسراج من الحسن ما فيه وعن بعضهم أن النور كخيمة عليها ورأيت في بعض كتبهم أنه ينشق من حوالى جرمها والكلام في مقدار جرمها وبعدها عن الأرض عند كل المتقدمين والمعاصرين من الفلاسفة مما لا حاجة لنا به في هذا المقام مع ما في ذلك من الاختلاف المفضي بيانه بما له وعليه إلى مزيد تطويل وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ هي السحائب على ما روي عن ابن عباس وأبي العالية والربيع والضحاك ولما كانت معصرة اسم مفعول لا معصرة اسم فاعل قيل إنها جمع معصرة من أعصر على أن الهمزة فيه للحينونة أي حانت وشارفت أن تعصرها الرياح فتمطر والأفعال يكون بهذا المعنى كثيرا كما جزر إذا حان وقت جزاره، وأحصد إذا شارفت وقت حصاده ومنه أعصرت الجارية إذا دنت أن تحيض. قال أبو النجم العجلي:

تمشي الهوينا مائلا خمارها ... قد عصرت أو قد دنا إعصارها

وجوز على تقدير كون الهمزة للحينونة أن يكون المعنى حان لها أن تعصر أي تغيث، ومنه العاصر المغيث ولذا قال ابن كيسان: سميت السحائب بذلك لأنها تغيث فهي من العصرة كأنه في الأصل بمعنى حان أن تعصر بتخييل أن الدم يحصل منها بالعصر، وقيل: إنها جمع لذلك أيضا إلا أن الهمزة لصيرورة الفاعل ذا المأخذ كأيسر وأعسر وألحم أي صار ذا يسر وصار ذا عسر وصار ذا لحم. وعن ابن عباس أيضا ومجاهد وقتادة أنه الرياح لأنها تعصر السحاب فيمطر، وفسّرها بعضهم بالرياح ذوات الأعاصير على أن صيغة اسم الفاعل للنسبة إلّا الإعصار بالكسر وهي ريح تثير سحابا ذا رعد وبرق ويعتبر التجريد عليه على ما قيل والمازني اعتبر النسبة أيضا إلّا أنه قال: المعصرات السحائب ذوات الأعاصير فإنها لا بد أن تمطر معها، وأيد تفسيرها بالرياح بقراءة ابن الزبير وابن عباس وأخيه الفضل وعبد الله بن يزيد وعكرمة وقتادة «بالمعصرات» بباء السببية والآلية

<<  <  ج: ص:  >  >>