وهي حكمة السلوك في الله عز وجل بتحصيل الأخلاق والأحوال والمقامات والتجريد والتفريد وَالتَّوْراةَ أي العلوم الظاهرة والأحكام المتعلقة بالأفعال وأحوال النفس وصفاتها وَالْإِنْجِيلَ العلوم الباطنة ومنها تجليات الصفات والأحكام المتعلقة بأحوال القلب وصفاته وَإِذْ تَخْلُقُ بالتربية أو بالتصوير مِنَ الطِّينِ وهو الاستعداد المحض أو الطين المعلوم كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ أي كصورة طير القلب الطائر إلى حضرة القدس أو الطير المشهور فَتَنْفُخُ فِيها من الروح الظاهرة فيك فَتَكُونُ طَيْراً نفسا مجردة طائرة بجناح الصفاء والعشق أو طيرا حقيقة بِإِذْنِي حيث صرت مظهرا لي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ أي المحجوب عن نور الحق وَالْأَبْرَصَ أي الذي أفسد قلبه حب الدنيا وغلبة الهوى بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بداء الجهل من قبور الطبيعة بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ وهي القوى النفسانية أو المحجوبين عن نور تجليات الصفات عَنْكَ فلم ينقصك كيدهم شيئا إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ وهي الحجج الواضحة أو القوى الروحانية الغالبة وَإِذْ أَوْحَيْتُ بطريق الإلهام إِلَى الْحَوارِيِّينَ وهم الذين طهروا نفوسهم بماء العلم النافع ونقوا ثياب قلوبهم عن لوث الطبائع أَنْ آمِنُوا بِي إيمانا حقيقيا بتوحيد الصفات وَبِرَسُولِي برعاية حقوق تجلياتها على التفصيل.
وذكر بعض السادة أن الوحي يكون خاصا ويكون عاما فالخاص ما كان بغير واسطة والعام ما كان بالواسطة من نحو الملك، والروح، والقلب، والعقل، والسر، وحركة الفطرة وللأولياء نصيب من هذا النوع. ولوحي الخاص مراتب وحي الفعل ووحي الذات. فوحي الذات يكون في مقام التوحيد عند رؤية العظمة والكبرياء. ووحي الفعل يكون في مقام العشق والمحبة وهناك منازل الأنس والانبساط إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أي المربي لك والمفيض عليك ما كملك أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً أي شريعة مشتملة على أنواع العلوم والحكم والمعارف والأحكام مِنَ السَّماءِ أي من جهة سماء الأرواح قالَ اتَّقُوا اللَّهَ أي اجعلوه سبحانه وقاية لكم فيما يصدر عنكم من الأفعال والأخلاق إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ولا تسألوا شريعة مجددة قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها بأن نعمل بها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا فإن العلم غذاء وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا في الاخبار عن ربك وعن نفسك وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ فنعلم بها الغائبين وندعوهم إليها قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بها منكم ويحتجب عن ذلك الدين بَعْدُ أي بعد الإنزال فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ وذلك بالحجاب عني لوجود الاستعداد ووضوح الطريق وسطوع الحجة والعذاب مع العلم أشد من العذاب مع الجهل.
وقوله تعالى: وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ إلخ كلام الشيخ الأكبر قدس سره. وكلام الشيخ عبد الكريم الجيلي فيه شهير منتشر على ألسنة المخلصين والمنكرين فيما بيننا. والله تعالى أعلم بمراده نسأل الله تعالى أن ينزل علينا موائد كرمه ولا يقطع عنا عوائد نعمه ويلطف بنا في كل مبدأ وختام بحرمة نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام.