وعن مجاهد أنه مسخت قلوبهم فلم يوفقوا لفهم الحق. وأخرج ابن جرير وغيره عن الحسن قال: كان حوتا حرمه الله عليهم في يوم وأحله لهم فيما سوى ذلك فكان يأتيهم في اليوم الذي حرمه الله تعالى عليهم كأنه المخاض ما يمتنع من أحد فجعلوا يهمون ويمسكون وقلما رأيت أحدا أكثر الاهتمام بالذنب إلا واقعه حتى أخذوه فأكلوا والله أوخم أكلة أكلها قوم أثقلها خزيا في الدنيا وأطولها عذابا في الآخرة وايم الله تعالى ما حوت أخذه قوم فأكلوه أعظم عند الله تعالى من قتل رجل مؤمن وللمؤمن أعظم حرمة عند الله سبحانه من حوت ولكن الله عزّ وجلّ جعل موعد قوم الساعة والساعة أدهى وأمر.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة أنه كان على شاطىء البحر الذي هم عنده صنمان من حجارة مستقبلان الماء يقال لأحدهما لقيم وللآخر لقمانة فأوحى الله تعالى إلى السمك أن حج يوم السبت إلى الصنمين وأوحى إلى أهل القرية إني قد أمرت السمك أن يحجوا إلى الصنمين يوم السبت فلا تتعرضوا فيه فإذا ذهب فشأنكم به فصيدوه فابتلي القوم ووقع منهم ما مسخوا به قردة وفي القلب من صحة هذا الأثر شيء ولعله لا صحة له كما لا يخفى على من يعرف معنى الحج من المصلين، ويشبه هذين الصنمين عين حق لان (١) قرب جزيرة الحديثة من العراق وهي قريبة من شاطىء الفرات فإن السمك يزورها في أيام مخصوصة من السنة حتى يخيل أنه لم يبق في بطن الفرات حوت إلا قذف إليها فيصيد أهل ذلك الصقع منه ما شاء الله تعالى وينقلونه إلى الجزائر والقرى القريبة منهم كألوس وحبة وعانات وهيت ثم ينقطع فلا ترى سمكة في العين بعد تلك الأيام إلى مثلها من قابل وسبحان الفعال لما يريد، واستدل بعض أهل العلم بقصة هؤلاء المعتدين على حرمة الحيل في الدين، وأيد ذلك بما
أخرجه ابن بطة عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «قال لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود فتستحلوا محارم الله تعالى بأدنى الحيل»
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ منصوب بمضمر معطوف على قوله سبحانه: وَسْئَلْهُمْ وتأذن تفعل من الإذن وهو بمعنى آذن أي اعلم والتفعل يجيء بمعنى الأفعال كالتوعد والإيعاد، وإلى هذا يؤول ما روي عن ابن عباس من أن المعنى قال ربك، وفسره بعضهم بعزم وهو كناية عنه أو مجاز لأن العازم على الأمر يشاور نفسه في الفعل والترك ثم يجزم فهو يطلب من النفس الإذن فيه، وفي الكشف لو جعل بمعنى الاستئذان دون الإيذان كأنه يطلب الإذن من نفسه لكان وجها، وحيث جعل بمعنى عزم وكان العازم جازما فسر عزم بجزم وقضى فأفاد التأكيد فلذا أجري مجرى القسم، وأجيب بما يجاب به وهو هنا لَيَبْعَثَنَّ وجاء عزمت عليك لتفعلن، ولا يرد على هذا أنه مقتضى لجواز نسبة العزم إليه تعالى وقد صرح بمنع ذلك لأن المنع مدفوع فقد ورد عزمة من عزمات الله تعالى عَلَيْهِمْ أي اليهود لا المعتدين الذين مسخوا قردة إذ لم يبقوا كما علمت، ويحتمل عود الضمير عليهم بناء على ما روي عن الحسن. والمراد حينئذهم وأخلاقهم، وعوده إلى اليهود والنصارى ليس بشيء وإن روي عن مجاهد، والجار متعلق بيبعثن على معنى يسلط عليهم البتة إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ أي إلى انتهاء الدنيا وهو متعلق بيبعث، وقيل:
بتأذن وليس بالوجه ولا يصح كما لا يخفى تعلقه بالصلة في قوله سبحانه: مَنْ يَسُومُهُمْ يذيقهم ويوليهم سُوءَ الْعَذابِ كالإذلال. وضرب الجزية. وعدم وجود منعة لهم. وجعلهم تحت الأيدي وغير ذلك من فنون العذاب، وقد بعث الله تعالى عليهم بعد سليمان عليه الصلاة والسلام بخت نصرّ فخرب ديارهم وقتل مقاتلتهم وسبى نساءهم وذراريهم وضرب الجزية على من بقي منهم وكانوا يؤدونها إلى المجوس حتى بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم ففعل ما فعل ثم ضرب الجزية عليهم فلا تزال مضروبة إلى آخر الدهر.
(١) قوله عين حق لان إلخ كذا بالأصل والنص في مسودة المؤلف مطموسة لا يعلم هل هي حقلان أو عفلان أو لا فحرر اهـ.. [.....]