فيعودون إلى ما كانوا عليه من الضلال، وحمله على ما روي عن ابن مسعود ظاهر الاستقامة لا قيل فيه ولا قال، وقوله سبحانه: وَقَدْ جاءَهُمْ إلخ قوي الملاءمة له وهو بعيد الملاءمة للقول المروي عن الأمير كرم الله تعالى وجهه ومن معه فقد احتيج في تحصيلها إلى جعل الإسناد من باب إسناد حال البعض إلى الكل أو حمل الناس على الكفار الموجودين في ذلك الوقت والأمر على القول بأنه ما كان في فتح مكة أهون إلا أنه مع ذلك ليس كقول ابن مسعود فتأمل يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى هو يوم بدر عند ابن مسعود وأخرجه عبد بن حميد وابن جرير عن أبي بن كعب ومجاهد والحسن وأبي العالية وسعيد بن جبير ومحمد بن سيرين وقتادة وعطية، وأخرجه ابن مردويه عن ابن عباس.
وأخرج ابن جرير وعبد بن حميد بسند صحيح عن عكرمة. قال: قال ابن عباس قال ابن مسعود البطشة الكبرى يوم بدر، وأنا أقول: هي يوم القيامة ونقل في البحر حكاية أنه يوم القيامة عن الحسن وقتادة أيضا.
والظرف معمول لما دل عليه قوله تعالى: إِنَّا مُنْتَقِمُونَ أي إنا ننتقم يوم إذ إنا منتقمون، وقيل لمنتقمون ورده الزجاج وغيره بأن ما بعد أن لا يجوز أن يعمل فيما قبلها، وقيل لعائدون على معنى إنكم لعائدون إلى العذاب يوم نبطش.
وقيل بكاشفوا العذاب وليس بشيء وقيل لذكرهم أو اذكر مقدرا، وقيل هو بدل من يَوْمَ تَأْتِي إلخ.
وقرىء «نبطش» بضم الطاء وقرأ الحسن وأبو رجاء وطلحة بخلاف عنه نَبْطِشُ بضم النون من باب الأفعال على معنى نحمل الملائكة عليهم السلام على أن يبطشوا بهم أو نمكنهم من ذلك فالمفعول به محذوف للعلم وزيادة التهويل، وجعل البطشة على هذا مفعولا مطلقا على طريقة أنبتكم نباتا، وقال ابن جني، وأبو حيان: هي منصوبة بفعل مضمر يدل عليه الظاهر أي يوم نبطش من نبطشه فيبطش البطشة الكبرى، وقال ابن جني: ولك أن تنصبها على أنها مفعول كأنه به قيل: يوم نقوي البطشة الكبرى عليهم ونمكنها منهم كقولك: يوم نسلط القتل عليهم ونوسع الأخذ منهم، وفي القاموس بطش به ويبطش ويبطش أخذ بالعنف والسطوة كابطشه والبطش الأخذ الشديد في كل شيء والبأس اهـ فلا تغفل وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ أي امتحناهم بإرسال موسى عليه السلام إليهم على أنه من فتن الفضة عرضها على النار فيكون بمعنى الامتحان وهو استعارة والمراد عاملناهم معاملة الممتحن ليظهر حالهم لغيرهم أو أوقعناهم في الفتنة على أنه بمعناه المعروف والمراد بالفتنة حينئذ ما يفتن به الشخص أي يغتر ويغفل عما فيه صلاحه كما في قوله تعالى: أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
[الأنفال: ٢٨] وفسرت هنا بالإمهال وتوسيع الرزق.
وفسر بعضهم الفتنة بالعذاب ثم تجوز به عن المعاصي التي هي سبب وهو تكلف ما لا داعي له.
وقرىء «فتّنّا» بتشديد التاء إما لتأكيد معناه المصدري أو لتكثير المفعول أو الفعل.
وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ أي مكرم معظم عند الله عز وجل أو عند المؤمنين أو عنده تعالى وعندهم أو كريم في نفسه متصف بالخصال الحميدة والصفات الجليلة حسبا ونسبا، وقال الراغب: الكرم إذا وصف به الإنسان فهو اسم للأخلاق والأفعال المحمودة التي تظهر منه ولا يقال هو كريم حتى يظهر ذلك منه، ونقل عن بعض العلماء أن الكرم كالحرية إلا أن الحرية قد تقال في المحاسن الصغيرة والكبيرة والكرم لا يقال إلا في المحاسن الكبيرة. وقال الخفاجي: أصل معنى الكريم جامع المحامد والمنافع وادعى لذلك أن تفسيره به أحسن من تفسيره بالتفسيرين السابقين أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ أطلقوهم وسلموهم إلي، والمراد بهم بنو إسرائيل الذين كان فرعون مستعبدهم، والتعبير عنهم بعباد الله تعالى للإشارة إلى أن استعباده إياهم ظلم منه، والأداء مجاز عما ذكر، وهذا كقوله عليه السلام فأرسل معنى بنا إسرائيل ولا تعذبهم وروي ذلك عن ابن زيد ومجاهد وقتادة أو أدوا إلى حق الله تعالى من الإيمان وقبول