أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ نزلت في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد والشدة والخوف والبرد وسوء العيش وأنواع الأذى. حتى بلغت القلوب الحناجر، وقيل: في غزوة أحد، وقال عطاء: لما دخل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه المدينة اشتد الضر عليهم، لأنهم خرجوا بغير مال وتركوا ديارهم وأموالهم بيد المشركين، وآثروا رضا الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، وأظهرت اليهود العداوة لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وأسر قوم من الأغنياء النفاق فأنزل الله تطييبا لقلوبهم هذه الآية، والخطاب إما للمؤمنين خاصة، أو للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم ولهم، ونسبة- الحسبان- إليه عليه الصلاة والسلام إما لأنه لما كان يضيق صدره الشريف من شدائد المشركين نزل منزلة من يحسب أن يدخل الجنة بدون تحمل المكاره، وإما على سبيل التغليب كما في قوله سبحانه: أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا [الأعراف: ٨٨] وأَمْ منقطعة- والهمزة المقدّرة- لإنكار ذلك الحسبان وأنه لا ينبغي أن يكون، وقيل: متصلة بتقدير معادل، وقيل: منقطعة بدون تقدير، وفي الكلام التفات إلا أنه غير صريح من الغيبة إلى الخطاب لأن قوله سبحانه: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً كلام مشتمل على ذكر الأمم السابقة والقرون الخالية، وعلى ذكر من بعث إليهم من الأنبياء وما لقوا منهم من الشدائد، وإظهار المعجزات تشجيعا للرسول صلى الله تعالى عليه وسلم والمؤمنين على الثبات والصبر على أذى المشركين، أو للمؤمنين خاصة- فكانوا من هذا الوجه مرادين غائبين- ويؤيده فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا إلخ فإذا قيل: بعد أَمْ حَسِبْتُمْ كان نقلا من الغيبة إلى الخطاب، أو لأنّ الكلام الأول تعريض للمؤمنين بعدم التثبت والصبر على أذى المشركين، فكأنه وضع موضع كان من حق المؤمنين