أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي والإمام أحمد عن خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ما لقينا من المشركين فقلنا: ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله تعالى لنا/ فقال: «إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار على مفرق رأسه فتخلص إلى قدميه لا يصرفه ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه لا يصرفه ذلك عن دينه» ثم قال: «والله ليتمنّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله تعالى، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون»
وهذا هو المضرب عنه- ببل- التي تضمنتها أَمْ أي دع ذلك- أحسبوا أن يدخلوا الجنة- فترك هذا إلى الخطاب وحصل الالتفات معنى، ومما ذكر يعلم وجه ربط الآية بما قبلها، وقيل: وجه ذلك أنه سبحانه لما قال: يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وكان المراد بالصراط الحق الذي يفضي اتباعه إلى دخول الجنة بين أن ذلك لا يتم إلا باحتمال الشدائد والتكليف وَلَمَّا يَأْتِكُمْ الواو للحال، والجملة بعدها نصب على الحال أي غير آتيكم وَلَمَّا جازمة- كلم- وفرق بينهما في كتب النحو، والمشهور أنها بسيطة، وقيل: مركبة من- لم وما النافية- وهي نظيرة قد في أنّ الفعل المذكور بعدها منتظر الوقوع.
مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ أي مثل مثلهم وحالهم العجيبة، فالكلام على حذف مضاف، والَّذِينَ صفة لمحذوف أي المؤمنين، ومِنْ قَبْلِكُمْ متعلق ب خَلَوْا وهو كالتأكيد لما يفهم منه.
مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ بيان- للمثل- على الاستئناف سواء قدّر كيف ذلك المثل أو لا، وجوّز أبو البقاء كونها حالية بتقدير قد وَزُلْزِلُوا أي أزعجوا إزعاجا شديدا بأنواع البلاء.
حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ أي انتهى أمرهم من البلاء إلى حيث اضطروا إلى أن يَقُولَ الرَّسُولُ وهو أعلم الناس بما يليق به تعالى، وما تقتضيه حكمته، والمؤمنون المقتدون بآثاره، المهتدون بأنواره مَتى يأتي نَصْرُ اللَّهِ طلبا وتمنيا له، واستطالة لمدة الشدة- لا شكا وارتيابا- والمراد من الرَّسُولُ الجنس لا واحد بعينه، وقيل: وهو اليسع، وقيل: شعياء، وقيل: أشعياء، وعلى التعيين يكون المراد من الَّذِينَ خَلَوْا قوما بأعيانهم- وهم أتباع هؤلاء الرسل- وقرأ نافع يَقُولَ بالرفع على أنها حكاية حال ماضية ومَعَهُ يجوز أن يكون منصوبا ب يَقُولَ أي إنهم صاحبوه في هذا القول وأن يكون منصوبا ب آمَنُوا أي وافقوه في الإيمان أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ استئناف نحوي على تقدير القول أي فقيل لهم حينئذ ذلك تطييبا لأنفسهم بإسعافهم بمرامهم وإيثار الجملة الاسمية على الفعلية المناسبة لما قبلها وتصديرها بحرف التنبيه والتأكيد من الدلالة على تحقق مضمونها وتقريره ما لا يخفى، واختيار حكاية الوعد بالنصر لما أنها في حكم إنشاء الوعد للرسول والاقتصار على حكايتها دون حكاية النصر مع تحققه للإيذان بعدم الحاجة إلى ذلك لاستحالة الخلف، وقيل: لما كان السؤال- بمتى- يشير إلى استعلام القرب تضمن الجواب القرب واكتفى به ليكون الجواب طبق السؤال، وجوز أن يكون هذا واردا من جهته تعالى عند الحكاية على نهج الاعتراض لا واردا عند وقوع المحكي، والقول بأن هذه الجملة: مقول الرسول ومَتى نَصْرُ اللَّهِ تعالى مقول من معه على طريق اللف والنشر الغير المرتب ليس بشيء، إما لفظا فلأنه لا يحسن تعاطف القائلين دون المقولين، وإما معنى فلأنه لا يحسن ذكر قول الرسول أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ في الغاية التي قصد بها بيان تناهي الأمر في الشدة، والقول- بأن ترك العطف للتنبيه على أن كلّا مقول لواحد منهما، واحتراز عن توهم كون المجموع مقول واحد وتنبيه على أن الرسول قال لهم في جوابهم وبأن منصب الرسالة يستدعي تنزيه الرسول عن التزلزل- لا