ينبغي أن يلتفت إليه لأنه إذا ترك العطف لا يكون معطوفا على القول الأول فكيف التنبيه على كون كل مقولا لواحد منهما، ولا نأمن وراء منع كون منصب الرسالة يستدعي ذلك التنزيه وليس التزلزل والانزعاج أعظم من الخوف، وقد عرى الرسل صلوات الله تعالى وسلامه عليهم كما يصرح به كثير من الآيات، وفي الآية رمز إلى أن الوصول إلى الجناب الأقدس لا يتيسر إلا برفض اللذات ومكابدة المشاق كما ينبىء عنه
خبر «حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات»
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي مالك قال:«قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إن الله تعالى ليجرب أحدكم بالبلاء وهو أعلم به كما يجرب أحدكم ذهبه بالنار فمنهم من يخرج كالذهب الإبريز فذلك الذي نجاه الله تعالى من السيئات ومنهم من يخرج كالذهب الأسود فذلك الذي قد افتتن»
«ومن باب الإشارة في الآيات» وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا يدعي المحبة ويتكلم في دقائق الأسرار ويظهر خصائص الأحوال وهو في مقام النفس الأمارة وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ من المعارف والإخلاص بزعمه وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ شديد الخصومة لأهل الله تعالى في نفس الأمر وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها بإلقاء الشبه على ضعفاء المريدين وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ ويحصد بمنجل تمويهاته زرع الإيمان النابت في رياض قلوب السالكين ويقطع نسل المرشدين وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ فكيف يدعي هذا الكاذب محبة الله تعالى ويرتكب ما لا يحبه وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ حملته الحمية النفسانية حمية الجاهلية على الإثم لجاجا وحبا لظهور نفسه وزعما منه أنه أعلم بالله سبحانه من ناصحه فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ أي يكفيه حبسه في سجين الطبيعة وظلماتها، وهذه صفة أكثر أرباب الرسوم الذين حجبوا عن إدراك الحقائق بما معهم من العلوم وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يبذل نفسه في سلوك سبيل الله طلبا لرضاه ولا يلتفت إلى القال والقيل ولا يغلو لديه في طلب مولاه جليل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ وتسليم الوجود لله تعالى والخمود تحت مجاري القدرة لكم وعليكم كافة فإن زللتم عن مقام التسليم والرضا بالقضاء من بعد ما جاءتكم دلائل تجليات الأفعال والصفات، فاعلموا أن الله تعالى عزيز غالب يقهركم، حكيم لا قهر إلا على مقتضى الحكمة، هل ينظرون إلا أن يتجلى الله سبحانه في ظلل صفات قهرية من جملة تجليات الصفات وصور ملائكة القوى السماوية، وقضي الأمر بوصول كل إلى ما سبق له في الأزل وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ بالفناء كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً على الفطرة ودين الحق في عالم الإجمال ثم اختلفوا في النشأة بحسب اختلاف طبائعهم وغلبة صفات نفوسهم واحتجاب كل بمادة بدنه فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ ليدعوهم من الخلاف إلى الوفاق ومن الكثرة إلى الوحدة ومن العداوة إلى المحبة فتفرقوا وتحزبوا عليهم وتميزوا، فالسفليون ازدادوا خلافا وعنادا والعلويون هداهم الله تعالى إلى الحق وسلكوا الصراط المستقيم أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا جنة المشاهدة ومجالس الأنس بنور المكاشفة وَلَمَّا يَأْتِكُمْ حال السالكين قبلكم مستهم بأساء الفقراء وضراء المجاهدة وكسر النفس بالعبادة حتى تضجروا من طول مدة الحجاب وعيل صبرهم عن مشاهدة الجمال وطلبوا نصر الله تعالى بالتجلي، فأجيبوا: إذا بلغ السيل الزبى، وقيل: لهم أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ برفع الحجاب وظهور آثار الجمال قَرِيبٌ ممن بذل نفسه وصرف عن غير مولاه حسنه وتحمل المشاق وذبح الشهوات بسيف الأشواق:
ومن لم يمت في حبه لم يعش به ... ودون اجتناء النحل ما جنت النحل
يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في رواية أبي صالح:«كان عمرو بن الجموح شيخا كبيرا ذا مال كثير فقال: يا رسول الله بماذا نتصدق وعلى من ننفق؟ فنزلت»
وفي رواية عطاء عنه لا إنها نزلت في رجل أتى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال: إن لي دينارا فقال: أنفقه على نفسك فقال: إن لي دينارين فقال: