أنفقهما على أهلك فقال: إن لي ثلاثة فقال: أنفقها على خادمك فقال: إن لي أربعة فقال: أنفقها على والديك فقال: إن لي خمسة فقال: أنفقها على قرابتك فقال: إن لي ستة فقال: أنفقها في سبيل الله تعالى»
وعن ابن جريج قال:«سأل المؤمنون رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أين يضعون أموالهم؟» فنزلت.
قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ظاهر الآية أنه سئل عن المنفق فأجاب ببيان المصرف صريحا لأنه أهم فإن اعتداد النفقة باعتباره، وأشار إجمالا إلى بيان المنفق فإن: مِنْ خَيْرٍ يتضمن كونه حلالا إذ لا يسمى ما عداه خيرا وإنما تعرض لذلك وليس في السؤال ما يقتضيه لأن السؤال للتعلم لا للجدل، وحق المعلم فيه أن يكون كطبيب رفيق يتحرى ما فيه الشفاء طلبه المريض أم لم يطلبه، ولما كانت حاجتهم إلى من ينفق عليه كحاجتهم إلى ما ينفق بين الأمرين وهذا كمن به صفراء فاستأذن طبيبا في أكل العسل فقال: كله مع الخل، فالكلام إذا من أسلوب الحكيم، ويحتمل أن يكون في الكلام ذكر المصرف أيضا كما تدل عليه الرواية الأولى في سبب النزول إلا أنه لم يذكره في الآية للإيجاز في النظم تعويلا على الجواب فتكون الآية جوابا لأمرين مسؤول عنهما، والاقتصار في بيان المنفق على الإجمال من غير تعرض للتفصيل كما في بيان المصرف للإشارة إلى كون الثاني أهم، وهل تخرج الآية بذلك عن كونها من أسلوب الحكيم أم لا؟ قولان أشهرهما الثاني حيث أجيب عن المتروك صريحا وعن المذكور تبعا، والأكثرون على أن الآية في التطوع، وقيل: في الزكاة، واستدل بها من أباح صرفها للوالدين، وفيه أن عموم خَيْرٍ مما ينافي كونها في الزكاة لأن الفرض فيها قدر معين بالإجماع ولم يتعرض سبحانه للسائلين، والرِّقابِ إما اكتفاء بما ذكر في المواضع الأخر، وإما بناء على دخولهم تحت عموم قوله تعالى: وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فإنه شامل لكل خَيْرٍ واقع في أي مصرف كان وَما شرطية مفعول به- لتفعلوا- والفعل أعم من الإنفاق وأتى بما يعم تأكيدا للخاص الواقع في الجواب.
فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ يعلم كنهه كما يشير به صيغة فعيل مع الجملة الاسمية المؤكدة، والجملة جواب الشرط باعتبار معناها الكنائي إذ المراد منها توفية الثواب، وقيل: إنها دليل الجواب، وليست به، ومناسبة هذه الآية لما قبلها هو أن الصبر على النفقة وبذل المال من أعظم ما تحلى به المؤمن وهو من أقوى الأسباب الموصلة إلى الجنة حتى
ورد «الصدقة تطفئ غضب الرب»
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أي قتال الكفار وهو فرض عين إن دخلوا بلادنا، وفرض كفاية إن كانوا ببلادهم وقرىء بالبناء للفاعل وهو الله عز وجل ونصب القتال، وقرىء أيضا كتب عليكم القتل أي قتل الكفرة وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ عطف على كتب وعطف الاسمية على الفعلية جائز كما نص عليه، وقيل: الواو للحال، والجملة حال ورد بأن الحال المؤكدة لا تجيء- بالواو- والمنتقلة لا فائدة فيها «والكره» بالضم- كالكره بالفتح- وبهما قرىء «الكراهة» وقيل: المفتوح المشقة التي تنال الإنسان من خارج والمضموم ما يناله من ذاته، وقيل: المفتوح اسم بمعنى الإكراه، والمضموم بمعنى «الكراهة» وعلى كل حال فإن كان مصدرا فمؤول أو محمول على المبالغة أو هو صفة كخبز بمعنى مخبوز، وإن كان بمعنى الإكراه وحمل على الكره عليه فهو على التشبيه البليغ كأنهم أكرهوا عليه لشدته وعظم مشقته ثم كون القتل مكروها لا ينافي الإيمان لأن تلك الكراهية طبيعية لما فيه من القتل والأسر وإفناء البدن وتلف المال وهي لا تنافي الرضا بما كلف به كالمريض الشارب للدواء البشع يكرهه لما فيه من البشاعة ويرضى به من جهة أخرى.
وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وهو جميع ما كلفوا به فإن الطبع يكرهه وهو مناط صلاحهم ومنه القتال فإن فيه الظفر والغنيمة والشهادة التي هي السبب الأعظم للفوز بغاية الكرامة.