للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنافقين لأنهم يحبون الدنيا فيكثرون الخصام عليها وَإِذا تَوَلَّى أي أدبر وأعرض قاله الحسن، أو إذا غلب وصار واليا- قاله الضحاك- سَعى أي أسرع في المشي أو عمل فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها ما أمكنه وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ كما فعله الأخنس، أو كما يفعله ولاة السوء بالقتل والإتلاف، أو بالظلم الذي يمنع الله تعالى بشؤمه القطر، والْحَرْثَ الزرع وَالنَّسْلَ كل ذات روح يقال نسل ينسل نسولا إذا خرج فسقط، ومنه نسل وبر البعير أو ريش الطائر، وسمي العقب من الولد نسلا لخروجه من ظهر أبيه وبطن أمه، وذكر الأزهري أن الْحَرْثَ هنا النساء وَالنَّسْلَ الأولاد،

وعن الصادق أن الحرث في هذا الموضع الدين والنسل الناس،

وقرىء ويهلك الحرث، والنسل على أن الفعل للحرث والنسل، والرفع للعطف على سَعى وقرأ الحسن بفتح اللام وهي لغة- أبى يأبى- وروي عنه ويهلك على البناء للمفعول وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ لا يرضى به فاحذروا غضبه عليه، والجملة اعتراض للوعيد واكتفى فيها على الفساد لانطوائه على الثاني لكونه من عطف العام على الخاص، ولا يرد أن الله تعالى مفسد للأشياء قبل الإفساد، فكيف حكم سبحانه بأنه لا يحب الفساد، لأنه يقال: الإفساد- كما قيل في الحقيقة- إخراج الشيء عن حالة محمودة- لا لغرض صحيح- وذلك غير موجود في فعله تعالى ولا هو آمر به، وما نراه من فعله جل وعلا إفسادا فهو بالإضافة إلينا، وأما بالنظر إليه تعالى فكله صلاح، وأما أمره بإهلاك الحيوان مثلا لأكله فلإصلاح الإنسان الذي هو زبدة هذا العالم، وأما إماتته فأحد أسباب حياته الأبدية ورجوعه إلى وطنه الأصلي، وقد تقدم ما عسى أن تحتاجه هنا.

وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ في فعلك أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ أي احتوت عليه وأحاطت به، وصار كالمأخوذ بها، والْعِزَّةُ في الأصل خلاف الذل وأريد بها الأنفة والحمية مجازا. بِالْإِثْمِ أي مصحوبا أو مصحوبة به أو بسبب إثمه السابق، ويجوز أن يكون- أخذ- من الأخذ بمعنى الأسر، ومنه الأخيذ للأسير، أي جعلته الْعِزَّةُ وحمية الجاهلية أسيرا بقيد الإثم لا يتخلص منه فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ مبتدأ وخبر أي كافيه جَهَنَّمُ وقيل: جَهَنَّمُ فاعل لحسبه ساد مسد خبره، وهو مصدر بمعنى الفاعل وقوي لاعتماده على- الفاء- الرابطة للجملة بما قبلها، وقيل:

«حسب» اسم فعل ماض بمعنى كفى- وفيه نظر- وجَهَنَّمُ علم لدار العقاب أو لطبقة من طبقاتها ممنوعة من الصرف للعلمية والتأنيث، وهي من الملحق بالخماسي بزيادة الحرف الثالث ووزن فعنلل، وفي البحر إنها مشتقة من قولها: ركية جهنام- إذا كانت بعيدة القعر- وكلاهما من الجهم، وهي الكراهية، والغلظ، ووزنها فعنل. ولا يلتفت لمن قال: وزنها فنعلل كعرندس، وأن فعنلا مفقود لوجود فعنل نحو دونك وخفنك وغيرهما، وقيل: إنها فارسي وأصلها كهنام فعربت- بإبدال الكاف جيما وإسقاط الألف- والمنع من الصرف حينئذ للعلمية والعجمة وَلَبِئْسَ الْمِهادُ جواب قسم مقدر والمخصوص بالذم محذوف لظهوره وتعينه، والْمِهادُ الفراش، وقيل: ما يوطىء للجنب- والتعبير به للتهكم- وفي الآية ذم لمن يغضب إذا قيل له: اتَّقِ اللَّهَ ولهذا قال العلماء: إذا قال الخصم للقاضي:

اعدل ونحوه له أن يعزره، وإذا قال له: اتَّقِ اللَّهَ لا يعزره. وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه «إنّ من أكبر الذنب أن يقول الرجل لأخيه: اتق الله تعالى فيقول: عليك بنفسك عليك بنفسك» وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ أي يبيعها ببذلها في الجهاد على ما روي عن ابن عباس والضحاك رضي الله تعالى عنهما أن الآية نزلت في سرية الرجيع، أو في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر على ما أخرج ابن جرير عن أبي الخليل قال: سمع عمر رضي الله تعالى عنه إنسانا يقرأ هذه الآية فاسترجع وقال: قام رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقتل ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ أي طلبا لرضاه، ف ابْتِغاءَ مفعول له، ومَرْضاتِ مصدر بني- كما في البحر- على التاء كمدعاة، والقياس تجريده منها، وكتب في المصحف- بالتاء- ووقف عليه- بالتاء والهاء- وأكثر الروايات أن الآية نزلت في

<<  <  ج: ص:  >  >>