للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صهيب الرومي رضي الله تعالى عنه، فقد أخرج جماعة أنّ صهيبا أقبل مهاجرا نحو النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فاتبعه نفر من المشركين فنزل عن راحلته ونثر ما في كنانته وأخذ قوسه ثم قال: يا معشر قريش، لقد علمتم أني من أرماكم رجلا وايم الله لا تصلون إليّ حتى أرمي بما في كنانتي ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء، ثم افعلوا ما شئتم. فقالوا: دلنا على بيتك ومالك بمكة ونخلي عنك، وعاهدوه إن دلهم أن يدعوه ففعل، فلما قدم على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «أبا يحيى ربح البيع ربح البيع» وتلا له الآية. وعلى هذا يكون الشراء على ظاهره بمعنى الاشتراء.

وفي الكواشي أنها نزلت في الزبير بن العوام وصاحبه المقداد بن الأسود لما

قال عليه الصلاة والسلام: «من ينزل خبيبا عن خشبته فله الجنة»

فقال: أنا وصاحبي المقداد- وكان خبيب قد صلبه أهل مكة- وقال الإمامية وبعض منا: إنها نزلت في على كرم الله تعالى وجهه حين استخلفه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم على فراشه بمكة لما خرج إلى الغار، وعلى هذا يرتكب في السراء مثل ما ارتكب أولا وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ أي المؤمنين حيث أرشدهم لما فيه رضاه، وجعل النعيم الدائم جزاء العمل المنقطع وأثاب على شراء ملكه بملكه.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً

أخرج غير واحد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه، وذلك أنهم حين آمنوا بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم وآمنوا بشرائعه وشرائع موسى عليه السلام فعظموا السبت وكرهوا لحمان الإبل وألبانها بعد ما أسلموا، فأنكر ذلك عليهم المسلمون، فقالوا:

إنا نقوى على هذا وهذا، وقالوا للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم: إن التوراة كتاب الله تعالى فدعنا فلنعمل بها، فأنزل الله تعالى هذه الآية،

فالخطاب لمؤمني أهل الكتاب، والسِّلْمِ بمعنى الإسلام، وكَافَّةً في الأصل صفة من كف بمعنى منع، استعمل بمعنى الجملة بعلاقة أنها مانعة للأجزاء عن التفرق- والتاء- فيه للتأنيث أو للنقل من الوصفية إلى الاسمية كعامة وخاصة وقاطبة أو للمبالغة. واختار الطيبي الأول مدعيا أن القول بالأخيرين خروج عن الأصل من غير ضرورة، والشمول المستفاد منه شمول الكل للأجزاء لا الكلي لجزئياته ولا الأعم منهما، ولا يختص بمن يعقل، ولا بكونه حالا ولا نكرة خلافا لابن هشام- وليس له في ذلك ثبت- وهو هنا حال من الضمير في ادْخُلُوا والمعنى ادخلوا في الإسلام بكليتكم ولا تدعوا شيئا من ظاهركم وباطنكم إلا والإسلام يستوعبه بحيث لا يبقى مكان لغيره من شريعة موسى عليه السلام، وقيل: الخطاب للمنافقين، والسِّلْمِ بمعنى الاستسلام والطاعة على ما هو الأصل فيه، وكَافَّةً حال من الضمير أيضا، أي استسلموا لله تعالى وأطيعوه جملة واتركوا النفاق وآمنوا ظاهرا وباطنا، وقيل:

الخطاب لكفار أهل الكتاب الذين زعموا الإيمان بشريعتهم، والمراد من السِّلْمِ جميع الشرائع بذكر الخاص وإرادة العام بناء على القول بأن الإسلام شريعة نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم، وحمل- اللام- على الاستغراق، وكَافَّةً حال من السِّلْمِ والمعنى ادخلوا أيها المؤمنون بشريعة واحدة في الشرائع كلها ولا تفرقوا بينها، وقيل: الخطاب للمسلمين الخلص، والمراد من السِّلْمِ شعب الإسلام، وكَافَّةً حال منه، والمعنى ادْخُلُوا أيها المسلمون المؤمنون بمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم فِي شعب الإيمان كلها ولا تخلوا بشيء من أحكامه، وقال الزجاج في هذا الوجه: المراد من السِّلْمِ الإسلام، والمقصود أمر المؤمنين بالثبات عليه، وفيه أن التعبير عن الثبات على الإسلام بالدخول فيه بعيد غاية البعد، وهذا ما اختاره بعض المحققين من ستة عشر احتمالا في الآية حاصلة من ضرب احتمالي السِّلْمِ في احتمالي كَافَّةً وضرب المجموع في احتمالات الخطاب، ومبنى ذلك على أمرين، أحدهما أن كَافَّةً لإحاطة الأجزاء، والثاني أن محط الفائدة في الكلام القيد كما هو المقرر عند البلغاء، ونص عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>