للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيخ في دلائل الإعجاز، وإذا اعتبرت احتمال الحالية من الضمير والظاهر معا كما في قوله:

خرجت بها نمشي تجر وراءنا ... على أثرينا ذيل مرط مرحل

بلغت الاحتمالات أربعة وعشرين، ولا يخفى ما هو الأوفق منها بسبب النزول. وقرأ ابن كثير ونافع والكسائي «السلم» بفتح السين والباقون- بكسرها- وهما لغتان مشهورتان فيه، وقرأ الأعمش بفتح السين واللام وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ بمخالفة ما أمرتم به، أو بالتفرق في جملتكم، أو بالتفريق بالشرائع أو الشعب إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ظاهر العداوة أو مظهر لها، وهو تعليل للنهي والانتهاء.

فَإِنْ زَلَلْتُمْ أي ملتم عن الدخول فِي السِّلْمِ وتنحيتم، وأصله السقوط وأريد به ما ذكر مجازا.

مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ أي الحجج الظاهرة الدالة على أنه الحق، أو آيات الكتاب الناطقة بذلك الموجبة للدخول فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غالب على أمره لا يعجزه شيء من الانتقام منكم حَكِيمٌ لا يترك ما تقتضيه الحكمة من مؤاخذة المجرمين هَلْ يَنْظُرُونَ استفهام في معنى النفي، والضمير للموصول السابق إن أريد به المنافقون أو أهل الكتاب، أو إلى مَنْ يُعْجِبُكَ إن أريد به مؤمنو أهل الكتاب أو المسلمون. إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ بالمعنى اللائق به جل شؤونه منزها عن مشابهة المحدثات والتقيد بصفات الممكنات. فِي ظُلَلٍ جمع ظلة كقلة وكقلل وهي ما أظلك، وقرىء ظلال كقلال مِنَ الْغَمامِ أي السحاب أو الأبيض منه وَالْمَلائِكَةُ يأتون، وقرىء «والملائكة» بالجر عطف على ظلل أو الغمام والمراد مع الْمَلائِكَةُ أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «يجمع الله تعالى الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قياما شاخصة أبصارهم إلى السماء ينظرون فصل القضاء وينزل الله تعالى في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي، وأخرج ابن جرير وغيره عن عبد الله بن عمر في هذه الآية قال: يهبط حين يهبط وبينه وبين خاتمه سبعون ألف حجاب منها النور والظلمة والماء فيصوت الماء في تلك العظمة صوتا تنخلع له القلوب، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن من الغمام ظللا يأتي الله تعالى فيها محفوفات بالملائكة، وقرأ أبيّ «إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل» ومن الناس من قدر في أمثال هذه المتشابهات محذوفا فقال: في الآية الإسناد مجازي، والمراد يأتيهم أمر الله تعالى وبأسه أو حقيقي، والمفعول محذوف أي يأتيهم الله تعالى ببأسه، وحذف المأتي به للدلالة عليه بقوله سبحانه: أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فإن العزة.

والحكمة تدل على الانتقام بحق، وهو البأس والعذاب، وذكر الملائكة لأنهم الواسطة في إتيان أمره أو الآتون على الحقيقة، ويكون ذكر الله تعالى حينئذ تمهيدا لذكرهم كما في قوله سبحانه: يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا [البقرة: ٩] على وجه وخص الغمام بمحلية العذاب لأنه مظنة الرحمة فإذا جاء منه العذاب كان أفظع لأن الشر إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أصعب فكيف إذا جاء من حيث يحتسب الخير، ولا يخفى أن من علم أن الله تعالى أن يظهر بما شاء وكيف شاء ومتى شاء وأنه في حال ظهوره باق على إطلاقه حتى عن قيد الإطلاق منزه عن التقيد مبرأ عن التعدد كما ذهب إليه سلف الأمة وأرباب القلوب من ساداتنا الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم لم يحتج إلى هذه الكلفات، ولم يحم حول هذه التأويلات وَقُضِيَ الْأَمْرُ أي أتم أمر العباد وحسابهم فأثيب الطائع وعوقب العاصي وأتم أمر إهلاكهم وفرغ منه وهو عطف على هَلْ يَنْظُرُونَ لأنه خبر معنى ووضع الماضي موضع المستقبل لدنو وتيقن وقوعه. وقرأ معاذ بن جبل وقضاء الأمر عطفا على الملائكة وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ تذييل للتأكيد كأنه قيل: وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ التي من جملتها الحساب أو الإهلاك، وعلى قراءة معاذ عطف على هَلْ يَنْظُرُونَ أي لا ينظرون إلا الإتيان وأمر ذلك إلى الله تعالى، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم- ترجع- على البناء للمفعول على أنه من الرجع، وقرأ

<<  <  ج: ص:  >  >>