الباقون على البناء للفاعل بالتأنيث غير يعقوب على أنه من الرجوع، وقرىء أيضا بالتذكير وبناء المفعول سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ أمر للرسول صلّى الله عليه وسلّم كما هو الأصل في الخطاب أو لكل واحد ممن يصح منه السؤال، والمراد بهذا السؤال تقريعهم وتوبيخهم على طغيانهم وجحودهم الحق بعد وضوح الآيات لا أن يجيبوا فيعلم من جوابهم كما إذا أراد واحد منا توبيخ أحد يقول لمن حضر سله كم أنعمت عليه، وربط الآية بما قبلها على ما قيل: إن الضمير في هَلْ يَنْظُرُونَ إن كان لأهل الكتاب فهي كالدليل عليه وإن كان لمن يُعْجِبُكَ فهي بيان لحال المعاندين من أهل الكتاب بعد بيان حال المنافقين من أهل الشرك كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ أي علامة ظاهرة وهي المعجزات الدالة على صدق رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كما قال الحسن، ومجاهد، وتخصيص إيتاء المعجزات بأهل الكتاب مع عمومه للكل لأنهم أعلم من غيرهم بالمعجزات وكيفية دلالتها على الصدق لعلمهم بمعجزات الأنبياء السابقة وقد يراد بالآية معناها المتعارف وهو طائفة من القرآن وغيره، وبينة من بان المتعدي، فالسؤال على إيتاء الآيات المتضمنة لنعت الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وتحقيق نبوته والتصديق بما جاء به. وكَمْ إما خبرية والمسئول عنه محذوف، والجملة ابتدائية لا محل لها من الإعراب مبينة لاستحقاقهم التقريع كأنه قيل: سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ عن طغيانهم وجحودهم للحق بعد وضوحه فقد- آتيناهم آيات كثيرة بينة- وزعم لزوم انقطاع الجملة على هذا التقدير- وهم كما ترى، وإما استفهامية والجملة في موضع المفعول الثاني ل سَلْ وقيل: في موضع المصدر أي سلهم هذا السؤال، وقيل: في موضع الحال أي سلهم قائلا- كم آتيناهم- والاستفهام للتقرير بمعنى حمل المخاطب على الإقرار، وقيل: بمعنى التحقيق والتثبيت، واعترض بأن معنى التقريع الاستنكار والاستبعاد وهو لا يجامع التحقيق، وأجيب بأن التقريع إنما هو على جحودهم الحق وإنكاره المجامع لإيتاء الآيات لا على الإيتاء حتى يفارقه، ومحلها النصب على أنها مفعول ثان- لآتينا- وليس من الاشتغال كما وهم أو الرفع بالابتداء على حذف العائد، والتقدير- آتيناهموها- أو آتيناهم إياها، وهو ضعيف عند سيبويه، وآيَةٍ تمييز، ومِنْ صلة أتي بها للفصل بين كون آيَةٍ مفعولا- لآتينا- وكونها مميزة ل كَمْ ويجب الإتيان بها في مثل هذا الموضع فقد قال الرضي: وإذا كان الفصل بين- كم- الخبرية ومميزها بفعل متعد وجب الإتيان بمن لئلا يلتبس المميز بمفعول ذلك المتعدي نحو كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ [الدخان: ٢٥] وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ [الحجر: ٤] وحال- كم- الاستفهامية المجرور مميزها مع الفصل كحال- كم الخبرية في جميع ما ذكرنا انتهى. وحكي عنه أنه أنكر زيادة من في مميز الاستفهامية وهو محمول على الزيادة بلا فصل
لا مطلقا فلا تنافي بين كلاميه وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ أي آياته فإنها سبب الهدي الذي هو أجل النعم، وفيه وضع المظهر موضع المضمر بغير لفظه السابق لتعظيم الآيات، وتبديلها تحريفها وتأويلها الزائغ، أو جعلها سببا للضلالة وازدياد الرجس، وعلى التقديرين لا حذف في الآية، وقال أبو حيان حذف حرف الجر من نِعْمَةَ والمفعول الثاني ل يُبَدِّلْ والتقدير ومن يبدل بنعمة الله كفرا، ودل على ذلك ترتيب جواب الشرط عليه وفيه ما لا يخفى، وقرىء- ومن يبدل- بالتخفيف مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ أي وصلته وتمكن من معرفتها، وفائدة هذه الزيادة- وإن كان تبديل الآيات مطلقا مذموما- التعريض بأنهم بدلوها بعد ما عقلوها، وفيه تقبيح عظيم لهم ونعي على شناعة حالهم واستدلال على استحقاقهم العذاب الشديد حيث بدلوا بعد المعرفة وبهذا يندفع ما يتراءى من أن التبديل لا يكون إلا بعد المجيء فما الفائدة في ذكره فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ تعليل للجواب أقيم مقامه والتقدير ومن يبدل نعمة الله عاقبه أشد عقوبة لأنه شديد العقاب، ويحتمل أن يكون هو الجواب بتقدير الضمير أي شديد العقاب له وإظهار الاسم الجليل لتربية المهابة وإدخال الروعة زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا أي أوجدت حسنة وجعلت محبوبة في قلوبهم فتهافتوا عليها تهافت الفراش على النار وأعرضوا عما سواها ولذا أعرض أهل الكتاب عن الآيات