للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبدلوها، وفاعل التزيين بهذا المعنى حقيقة هو الله تعالى وإن فسر بالتحسين بالقول ونحوه من الوسوسة كما في قوله تعالى: لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ [الحجر: ٣٩] كان فاعل ذلك هو الشيطان والآية محتملة لمعنيين، والتزيين حقيقة فيهما على ما يقتضيه ظاهر كلام الراغب وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا الموصول للعهد، والمراد به فقراء المؤمنين كصهيب وبلال وعمار أي يستهزئون بهم على رفضهم الدنيا. وإقبالهم على العقبى، ومِنَ للتعدية وتفيد معنى الابتداء كأنهم جعلوا لفقرهم ورثاثة حالهم منشأ للسخرية وقد يعدى السخر بالباء إلا أنه لغة رديئة، والعطف على زين وإيثار صيغة الاستقبال للدلالة على الاستمرار، وجوز أن تكون الواو للحال ويسخرون خبر لمحذوف أي وهم يسخرون، والآية نزلت في أبي جهل وأضرابه من رؤساء قريش بسطت لهم الدنيا وكانوا يسخرون من فقراء المؤمنين ويقولون لو كان محمد صلى الله تعالى عليه وسلم نبيا لاتبعه أشرافنا، وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه، وقيل: نزلت في ابن سلول، وقيل: في رؤساء اليهود، ومن بني قريظة، والنضير وقينقاع سخروا من فقراء المهاجرين وعن عطاء لا مانع من نزولها في جميعهم وَالَّذِينَ اتَّقَوْا هم الذين آمنوا بعينهم وآثر التعبير به مدحا لهم بالتقوى وإشعارا بعلة الحكم، ويجوز أن يراد العموم ويدخل هؤلاء فيهم دخولا أوليا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ مكانا لأنهم في عليين وأولئك في أسفل السافلين، أو مكانة لأنهم في أوج الكرامة وهم في حضيض الذل والمهانة، أو لأنهم يتطاولون عليهم في الآخرة فيسخرون منهم كما سخروا منهم في الدنيا، والجملة معطوفة على ما قبلها، وإيثار الاسمية للدلالة على دوام مضمونها، وفي ذلك من تسلية المؤمنين ما لا يخفى وَاللَّهُ يَرْزُقُ في الآخرة مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ أي بلا نهاية لما يعطيه، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنه: هذا الرزق في الدنيا، وفيه إشارة إلى تملك المؤمنين المستهزأ بهم أموال بني قريظة والنضير، ويجوز أن يراد في الدارين فيكون تذييلا لكلا الحكمين كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً متفقين على التوحيد مقرين بالعبودية حين أخذ الله تعالى عليهم العهد، وهو المروي عن أبيّ بن كعب، أو بين آدم وإدريس عليهما السلام بناء على ما في روضة الأحباب أن الناس في زمان آدم كانوا موحدين متمسكين بدينه بحيث يصافحون الملائكة إلا قليل من قابيل ومتابعيه إلى زمن رفع إدريس، أو بين آدم ونوح عليهما السلام على ما روى البزار وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه كان بينهما عشرة قرون على شريعة من الحق، أو بعد الطوفان إذ لم يبق بعده سوى ثمانين رجلا وامرأة ثم ماتوا إلا نوحا وبنيه حام وسام ويافث وأزواجهم وكانوا كلهم على دين نوح عليه الصلاة والسلام فالاستغراق على الأول والأخير حقيقي، وعلى الثاني والثالث

ادعائي بجعل القليل في حكم العدم، وقيل: متفقين على الجهالة والكفر بناء على ما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم كانوا كفارا وذلك بعد رفع إدريس عليه الصلاة والسلام إلى أن بعث نوح أو بعد موت نوح عليه الصلاة والسلام إلى أن بعث هود عليه الصلاة والسلام فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ أي فاختلفوا فبعث إلخ وهي قراءة ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، وإنما حذف تعويلا على ما يذكر عقبه مُبَشِّرِينَ من آمن بالثواب وَمُنْذِرِينَ من كفر بالعذاب وهم كثيرون،

فقد أخرج أحمد وابن حبان عن أبي ذر أنه سئل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كم الأنبياء؟

قال: «مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا قلت: يا رسول الله كم الرسل؟ قال: ثلاثمائة وثلاثة عشر جم غفير»

ولا يعارض هذا قوله تعالى: وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ [النساء: ١٦٤] الآية لما سيأتي إن شاء الله تعالى، والجمعان منصوبان على الحال من النبيين، والظاهر أنها حال مقدرة، والقول بأنها حال مقارنة خلاف الظاهر.

وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ اللام للجنس ومعهم حال مقدرة من الكتاب فيتعلق بمحذوف، وليس منصوبا بأنزل والمعنى أنزل جنس الكتاب مقدرا مقارنته ومصاحبته للنبيين حيث كان كل واحد منهم يأخذ الأحكام إما من كتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>