وأما قوم آخرون فنصبوا لألف في الرفع والنصب، وجعلوها بمنزلتها، إذ لم يحل بينها وبين الألف كسرٌ، وجعلوا ذلك لا يمنع النصب كما لم يمنع في القاف وأخواتها، وأمالوا في الجر كما أمالوا حيث لم يكن بينها وبين الألف شيء، وكان ذلك عندهم أولى، حيث كان قبلها حرفٌ تمال له لو لم يكن بعده راءٌ.
وأما بعض من يقول: مررت بالحمار، فإنه يقول: مررت بالكافر، فينصب الألف، وذلك لأنك قد تترك الإمالة في الرفع والنصب كما تتركها في القاف، فلما صارت في هذا كالقاف تركها في الجر على حالها حيث كانت تنصب في الأكثر، يعني في النصب والرفع، وكان من كلامهم أن ينصبوا نحو عابدٍ، وجعل الحرف الذي قبل الراء يبعده من أن يمال، كما جعله قومٌ حيث قالوا هو كافرٌ يبعده من أن ينصب، فلما بعد وكان النصب عندهم أكثر تركوه على حاله، إذ كان من كلامهم أن يقولوا عابدٌ، والأصل في فاعلٍ أن تنصب الألف، ولكنها تمال لما ذكرت لك من العلة. ألا تراها لا تمال في تابلٍ. فلما كان ذلك الأصل تركوها على حالها في الرفع والنصب وهذه اللغة أقل في قول من قال عابدٌ وعالمٌ.
واعلم أن الذين يقولون: هذا قاربٌ، يقولون: مررت بقادرٍ، ينصبون الألف، ولم يجعلوها حيث بعدت تقوى، كما أنها في لغة الذين قالوا مررت بكافرٍ لم تقو على الإمالة حيث بعدت، لما ذكرنا من العلة.
وقد قال قومٌ ترتضي عربيتهم: مررت بقادرٍ قبل، للراء حيث كانت مكسورة. وذلك أنه يقول قاربٌ كما يقول جارمٌ، فاستوت القاف وغيرها، فلما قلا مررت بقادرٍ أراد أن يجعلها كقوله مررت بكافرٍ، فيسويهما ههنا كما يسويهما هناك.