ومما يَنتصب فيه المصدرُ على إضمار الفعلِ المتروك إظهارُه، ولكنَّه فى معنى التعجُّبِ، قولُك: كَرَماً وصَلَفاً، كأَنَّه قال: أَلْزَمَك اللهُ وأَدامَ لك كَرَماً وأُلْزِمْتَ صَلَفاً، ولكنهم خَزَلُوا الفعلَ ههنا كما خزلوه فى الأوّل، لأنَّه صار بدلا من قولك: أَكرِمْ به وأَصْلِفْ به، كما انتَصب مَرْحَباً. وقلتَ " لَكَ "، كما قلت " بِكَ " بعد مَرْحَباً، لتبيّن من تَعنى، فصار بدلاً فى اللفظ من رَحُبَتْ " بلادُك.
وسمعتُ أَعرابيا وهو أبو مُرْهِبٍ، يقول: كَرَماً وطُولَ أنف، أي أكرم بك وأطول بأنفك ".
بابٌ يُختار فيه أن تكون المصادرُ مبتدأة
مبنياً عليها ما بعدها وما أشبه المصادر من الأسماء والصفات وذلك قولك: الحمدُ لله، والعَجَبُ لك، والوَيلُ لك، والتُّرابُ لك، والخَيْبةُ لك.
وإنّما استحبّوا الرفعَ فيه لأنَّه صار معرفةً وهو خَبَرٌ فقَوىَ فى الابتداء، بمنزلة عبد الله والرجل الذي تَعلم، لأنَّ الابتداءَ إنَّما هو خَبَرٌ، وأَحسنْه إذا اجتمع نكرة ومعرفة أن يبتدئ بالأعرف؛ وهو أصل الكلام.